باب إذا تسارع قوم في اليمين
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على قوم اليمين، فاسرعوا، فامر أن يسهم (14) بينهم في اليمين أيهم يحلف
بيَّن الشَّرعُ كَيفيَّةَ فَضِّ المنازَعاتِ في الأقضيةِ، وخاصَّةً تلك الَّتي لا يكونُ فيها بيِّنةٌ واضحةٌ تَحسِمُ الحقَّ لأحَدِ الطَّرَفينِ، فجَعَلَ اليمينَ فَيصلًا بيْن الطَّرَفينِ، وجَعَلَ عليها مِن الوعيدِ الشَّديدِ وحذَّرَ مِن عِقابِ اللهِ في الآخرةِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه تَخاصَمَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَومٌ، وتَنازَعوا عَينًا، وليس لواحدٍ منْهم بيِّنةٌ قاطعةٌ باستحقاقِه، أو تَساقَطَت بَيِّناتُهم وبَطَلَت؛ كأنْ لا بَيَّنةَ لأحَدِهم، فعرَضَ عليهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اليمينَ؛ لعلَّ بَعضَهم يَحلِفُ، وبَعضَهم يَسكُتُ؛ تَعظيمًا للحَلِفِ، فلمَّا رَأى أنَّهم يُسرِعون إلى الحَلفِ، وبادَرَ كلٌّ منهم إلى أدائِهِ، أَمَرَ أنْ يُسْهَمَ بيْنهم في اليَمِينِ: أيُّهُم يَحْلِفُ، أي: أنْ يُقرَعَ بيْنهم، ثمَّ يَحلِفَ أوَّلًا مَن وَقَعتْ عليه القُرعةُ، ويَستحقَّ ما تَنازَعوا عليه.
قيل: إنَّما أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُقرَعَ بعْدَما رَأى تَسارُعَهم في اليمينِ؛ لئلَّا تَقَعَ أيمانُهم معًا، فلا يَسْتوفي الَّذي له الحقُّ أيمانَهم على معْنى دَعواهُ، ومِن حقِّه أنْ يَستوفِيَ يَمين كلِّ واحدٍ منهم على حِدَتِه، فإذا اسْتَوفى قومٌ في حقٍّ مِن الحُقوقِ لم يَبدَأْ أحدٌ منهم قبْلَ صاحبِه في أخْذِ ما يَأخُذُ، أو دفَعَ ما يدفع عن نفْسِه إلَّا بالقُرعةِ. والقُرعةُ: سُنَّةٌ في مِثلِ هذا، وتُشرَعُ ويُعمَلُ بها عندَ التَّساوي في الأمْرِ.
وفي الحديثِ: إشارةٌ إلى تَعظيمِ أمْرِ اليمينِ والحَلِفِ.