باب استخلاف الصديق رضي الله عنه 1
بطاقات دعوية
عن ابن أبي مليكة سمعت عائشة - رضي الله عنها - وسئلت من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخلفا لو استخلفه قالت أبو بكر فقيل لها ثم من بعد أبي بكر قالت عمر ثم قيل لها من بعد عمر قالت أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هذا. (م 7/ 110
كان الصَّحابةُ الكرامُ رَضيَ اللهُ عنهم يَعرِفون قَدْرَ الصَّحابةِ المقرَّبينَ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وخاصَّةً أهْلَ السَّبقِ في الإسلامِ وأهلَ البَلاءِ الحسَنِ، مِثلُ الخُلفاءِ الرَّاشِدين وغيرِهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ عُبَيدِ اللهِ بنِ أبي مُلَيكةَ أنَّ أُمَّ المؤمِنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها سُئِلَت عن الشَّخصِ الَّذي كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سيَجعَلُه خَليفةً له وأميرًا على المسْلِمين مِن بعْدِه، لَوْ كان سيُحدِّدُ مَن يكونُ الخليفةَ بعْدَه، فأجابتْ أُمُّ المؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان سيَسْتخْلِفُ أَبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رَضيَ اللهُ عنه، ثُمَّ سُئِلت: مَن الَّذي بَعدَ أَبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه؟ فأَجابت: عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فسُئِلت: مَن بَعدَ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنه؟ فأَجابت: أَبو عُبيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ رَضيَ اللهُ عنه، «ثُمَّ انتَهتْ إلى هذا» يَعني: وَقفَتْ على أَبي عُبيْدَةَ رَضيَ اللهُ عنه، ولم تَتجاوَزْه إلى غيرِه مِن الصَّحابةِ، وهذه مَنقُبَةٌ عَظيمةٌ لأبي عُبيدَةَ رَضيَ اللهُ عنه، واعتِقادٌ من عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّه صالحٌ لِلخِلافةِ، وأنَّه أهلٌ لَها رَضيَ اللهُ عنه وأَرضاه، وقدْ وَرَد في الصَّحيحينِ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «إنَّ لكلِّ أُمَّةٍ أمينًا، وإنَّ أمِينَنا أيَّتُها الأُمَّةُ أبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ».
ومَدْحُ بعضِ الصَّحابةِ لا يَعْني تَقديمَ غيرِ أبي بَكرٍ وعُمرَ على عُثمانَ بنِ عفَّانَ وعلِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وقد أجمَعَت الأُمَّةُ على تَفضيلِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ بالتَّرتيبِ: أبو بَكرٍ، ثمَّ عُمرُ، ثمَّ عُثمانُ، ثمَّ علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنهم، ثمَّ بقيَّةِ العشَرةِ المبشَّرينَ بالجَنَّةِ، وقد وَرَد عند أبي داودَ قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فعليْكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ المهْديِّين الرَّاشدِين، تَمسَّكُوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ».
والحديثُ فيه دَلالةٌ لأهلِ السُّنَّةِ أنَّ خِلافةَ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه ليْست بنَصٍّ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَريحٍ، بلْ أجْمَعَت الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم على عَقدِ الخلافةِ له وتَقديمِه لفَضيلتِه، وهو دَليلٌ أيضًا على بُطلانِ ما تَدَّعِيه الشِّيعةُ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَعَل الخلافةَ مِن بعدِه لعلِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه.