باب الأمر بإتمام الركوع
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أنسا يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم»
الخُشوعُ رُوحُ الصَّلاةِ، وبه يَحصُلُ للمُصلِّي السَّكينةُ والاطْمِئنانُ في الصَّلاةِ؛ فيكونُ أكثرَ إقْبالًا على اللهِ سُبحانَه، وقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ المُسلِمينَ آدابَ الصَّلاةِ ومُهمَّاتِها؛ ليَكونَ أتمَّ لصلاتِهم
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى بهم صلاةً ثُمَّ صَعِدَ المِنبرَ، فقال «في الصَّلاةِ وفي الرُّكوعِ»، أي: فوَعَظَهم في شَأنِ الصَّلاةِ والرُّكوعِ، وإنَّما أفرَدَ الرُّكوعَ بالذِّكْر وإنْ كان داخلًا في الصَّلاة؛ للاهتِمامِ بشأنِه، إمَّا لأنَّه أعظَمُ أركانِها؛ بدَليلِ أنَّ المسبوقَ لو أدرَك الرُّكوعَ أدرَك تلك الرَّكعةَ بتمامِها، وإمَّا لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلِمَ أنَّهم قَصَّروا في حالِ الرُّكوعِ فذَكَرَه لزيادةِ التَّنبيهِ، فقال: «إنِّي لَأَراكُم مِن ورائي كما أراكم»، فهذا مِن مُعجزاتِه وخَصائِصِه ودلائِلِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومعناه: أنَّ الله تعالى خَلَقَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إدراكًا مِن وَرائِه، وإبصارُه إدراكٌ حقيقيٌّ انخرَقَتْ له فيه العادةُ، وقد انخرَقَتِ العادةُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأكثَرَ مِن هذا، وليس يمنَعُ مِن هذا عَقْلٌ ولا شَرْعٌ، بل وَرَدَ الشَّرعُ بظاهرِه؛ فوَجَبَ الإيمانُ به.وقيل: يَحتمِلُ أنْ يَراهم بما يُوحَى إليه مِن أفعالِهم وهَيئاتِهم في الصَّلاةِ؛ لأنَّ الرُّؤيةَ قدْ يُعبَّرُ بها عن العِلمِ والاعتِقادِ، والمَعنى المُرادُ مِن ذلك: اخْشَعوا في الصَّلاةِ، وأَتِمُّوا رُكوعَها وأرْكانَها كأنِّي أَنظُرُ إليكم وأُوَجِّهُكم إلى صَحيحِها؛ فإنِّي أرى أحْوالَكم في الصَّلاةِ مِن وَرائي حالَ كَوْني واقِفًا إمامًا لكم وأنتم خَلْفي، كما أَراكم وأنا ناظرٌ إليكم أمامي
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على أداءِ الصَّلاةِ على الوجهِ الَّذي أمَر به اللهُ عزَّ وجلَّ
وفيه: مِن دَلائلِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ