باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، وقال بعضهم على الموت لقوله تعالى {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}
بطاقات دعوية
عن سلمة رضي الله عنه قال: بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم -[تحت الشجرة] [يوم الحديبية 8/ 123]، ثم عدلت إلى ظل الشجرة، فلما خف الناس قال: [يا ابن الأكوع! ألا تبايع؟]. قال: قلت: قد بايعت يا رسول الله! [في الأول]. قال: "وأيضا"، فبايعته الثانية. فقلت له: يا أبا مسلم! على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت
المُبايَعةُ هي المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يَبِيعُ ما عِندَه لِصاحِبِه؛ فمِن طَرَفِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَعدٌ بالثَّوابِ، ومِن طَرَفِ الصَّحابيِّ الْتِزامُ الطَّاعةِ.
وقدْ بَيَّنتِ السُّنَّةُ المُطَهَّرةُ أنَّ مُبايَعةَ الأُمَراءِ على المَوتِ في الحَربِ لا تَنبَغي لأحَدٍ بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكِنْ يُبايَعونَ على الصَّبرِ والجَلَدِ في القِتالِ ما استَطاعوا، وقد دارَتْ حَربٌ بيْنَ الخَليفةِ يَزيدَ بنِ مُعاويةَ وبيْنَ أهلِ المَدينةِ ممَّن رَفَضوا بَيعَتَه؛ وذلك أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ حَنظَلةَ بنِ أبي عامِرٍ وغَيرَه مِن أهلِ المَدينةِ، وَفَدوا إلى يَزيدَ بنِ مُعاوِيةَ في مَقَرِّ الحُكمِ في دِمَشقَ بالشَّامِ، فرَأوْا منه ما لا يَصلُحُ، مع ما وَقَعَ مِن مَقتَلِ الحُسَينِ بنِ علِيٍّ في كَربَلاءَ، فرَجَعوا إلى المَدينةِ فخَلَعوه، وادَّعى عَبدُ اللهِ بنُ حَنظَلةَ الإمارةَ لِنَفْسِه، وبايَعَه الأنصارُ، وأخْرَجوا عُثمانَ بنَ مُحمَّدِ بنِ أبي سُفيانَ عامِلَ يَزيدَ، فأرسَلَ إليهم يَزيدُ سَنةَ ثَلاثٍ وسِتِّينَ مِنَ الهِجرةِ جَيشًا بقِيادةِ مُسلِمِ بنِ عُقْبةَ -الذي يُسمِّيه أهْلُ الحِجازِ مُسرِفَ بنَ عُقْبةَ- في جَيشٍ عَظيمٍ مِن أهلِ الشَّامِ، فأوقَعَ بأهلِ المَدينةِ مَقتَلةً عَظيمةً، وقَتَلَهم بحَرَّةِ المَدينةِ قَتلًا ذَريعًا، واستَباحَ المَدينةَ ثَلاثةَ أيَّامٍ، فعُرِفتْ بعْدَ ذلك بمَوقعةِ الحَرَّةِ، والحَرَّةُ: كُلُّ أرضٍ ذاتُ حِجارةٍ سَوداءَ، والمُرادُ حَرَّةُ شَرقِيِّ المَدينةِ.
وقبْلَ المَعرَكةِ أرادَ عَبدُ اللهِ بنُ حَنظَلةَ أنْ يَأخُذَ مِنَ النَّاسِ البَيعةَ على المَوتِ، وعَلِمَ بذلك عَبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقال: لا أُبايِعُ على المَوتِ أحَدًا بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو يُشيرُ إلى بَيعةِ الحُدَيبيةِ التي بايَعَ فيها الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
والحِكمةُ مِن قَولِ الصَّحابيِّ: إنَّه لا يَفعَلُ ذلك بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّه كان مُستَحَقًّا لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَقِيَه بنَفْسِه، وكان فَرضًا عليهم ألَّا يَفِرُّوا عنه حتَّى يَموتوا دُونَه، وذلك بخِلافِ غَيرِه.