باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين 1

بطاقات دعوية

باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين 1

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب قبل هذا : (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )) . 

ومنها حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - السابق في باب ملاطفة اليتيم ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( يا أبا بكر ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك )) .

حرم الله إيذاء المؤمن بغير حق، وتوعد المجترئ على ذلك بالعقاب الأليم في الدنيا والآخرة، ويزداد التحريم شدة، ويزداد الوعيد بالعقاب خطورة؛ إذا كان الواقع عليه الإيذاء أحد الصالحين
وفي هذا الحديث القدسي يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال: «من عادى لي وليا»، أي: ألحق الأذى بولي من أولياء الله، والولي: هو المؤمن التقي، العالم بالله تعالى، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته. وهو أيضا من يتولى الله سبحانه وتعالى أمره ولا يكله إلى نفسه لحظة، بل يتولى الحق رعايته، أو هو الذي يتولى عبادة الله وطاعته، فعباداته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان
فمن عادى ولي الله، فقد أعلن الله سبحانه الحرب عليه، وهذا فيه الغاية القصوى من التهديد؛ إذ من حاربه الله وعامله معاملة المحارب، فهو هالك لا محالة، ومن يطيق حرب الله؟!
ثم قال الحق سبحانه: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه»، أي: أوجبته عليه؛ فالصلوات الخمس أحب إلى الله من قيام الليل، وأحب إلى الله من النوافل، وصيام رمضان أحب إلى الله من صيام الاثنين والخميس، والأيام الستة من شوال، وما أشبهها؛ فالفرائض أحب إلى الله وأوكد. «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل» مع الفرائض، كالصلاة والصيام، وغيرهما من أعمال البر والطاعة التي ليست من الفريضة؛ فالنوافل تقرب إلى الله، وهي تكمل الفرائض، فإذا أكثر الإنسان من النوافل مع قيامه بالفرائض، نال محبة الله، فيحبه الله، وإذا أحبه كان الله سبحانه سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، يعني أنه يكون مسددا له في هذه الأعضاء الأربعة؛ يسدده في سمعه، فلا يسمع إلا ما يرضي الله، ويسدده في بصره، فلا ينظر إلا إلى ما يحب الله النظر إليه، ولا ينظر إلى المحرم، ويسدده في يده، فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله؛ لأن الله يسدده، وكذلك رجله، فلا يمشي إلا إلى ما يرضي الله؛ لأن الله يسدده، فلا يسعى إلا إلى ما فيه الخير
وإن سأل الله شيئا فإن الله يعطيه ما سأل، فيكون مجاب الدعوة، ولئن استعاذ بالله ولجأ إليه طلبا للحماية، فإن الله سبحانه يعيذه ويحميه مما يخاف
«وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن» وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، بل هو من أجل رحمة هذا العبد المؤمن، ولهذا قال الله تعليلا لهذا التردد: «يكره الموت» لما فيه من الألم العظيم، «وأنا أكره مساءته»؛ لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته.
فالعبد الذي صار محبوبا للحق محبا له، يتقرب إليه أولا بالفرائض، وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة؛ بحيث يحب ما يحبه، ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت؛ ليزداد من محاب محبوبه، والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده، ولا بد منه؛ فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت؛ فصار الموت مرادا للحق من وجه، مكروها له من وجه، وهذا حقيقة التردد
وفي الحديث: النهي عن إيذاء أولياء الله
وفيه: الترغيب في حب أولياء الرحمن، والاعتراف بفضلهم.
وفيه: أن أحب الأعمال فعل الفرائض، وأفضل القربات بعدها فعل النوافل.
وفيه: دلالة على شرف الأولياء ورفعة منزلتهم.