باب التشديد في النياحة

بطاقات دعوية

باب التشديد في النياحة

حديث عائشة، قالت: لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة، جلس يعرف فيه الحزن، وأنا أنظر من صائر الباب، شق الباب؛ فأتاه رجل فقال: إن نساء جعفر، وذكر بكاءهن فأمره أن ينهاهن، فذهب، ثم أتاه الثانية، لم يطعنه، فقال: أنههن فأتاه الثالثة، قال: والله غلبننا يا رسول الله فزعمت أنه قال: فاحث في أفواههن التراب فقلت: أرغم الله أنفك، لم تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء

لما جاء الإسلام قطع عادات الجاهلية السيئة، ومن هذه العادات النواح على الميت؛ فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وحذر منه، وتوعد عليه
وفي هذا الحديث تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه لما مات زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضوان الله عليهم أجمعين في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة، جلس النبي صلى الله عليه وسلم يظهر عليه الحزن؛ لاستشهاد هؤلاء الأفاضل، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنظر إليه من شق الباب، فجاءه رجل، وقال: إن نساء جعفر بن أبي طالب يبكين عليه ويرفعن صوتهن بالبكاء والنياحة عليه، فأمره صلى الله عليه وسلم أن ينهاهن، فذهب ثم أتاه مرة ثانية وأخبره أنهن لم يطعنه، فقال له: «انههن»، فأتاه مرة ثالثة وقال له: والله غلبننا يا رسول الله، فلم يستجبن لأمره، وأصروا على النواح، قيل: يحتمل أنهن لم يطعن الناهي لكونه لم يصرح لهن بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن، فحملن ذلك على أنه مرشد إلى المصلحة من قبل نفسه، أو علمن لكن غلب عليهن شدة الحزن؛ لحرارة المصيبة
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فاحث في أفواههن التراب»، يعني: ألق على وجوههن التراب؛ زجرا لهن حتى يتوقفن عما هم فيه، فقالت عائشة رضي الله عنه للرجل: «أرغم الله أنفك»، أي: ألصقه بالرغام وهو التراب؛ إهانة وذلا -وهذه من الكلمات التي تقولها العرب في الزجر ونحوه ولا يقصد بها حقيقة الدعاء-، والله ما تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء، معناه: أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار؛ لنقصك وتقصيرك، ولا تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء. وقيل: دعت عليه لأنه أحرج النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة تردده إليه ونقله فعلهن دون جدوى
وقد نسخ الله سبحانه أمور الجاهلية بشريعة الإسلام، وأمر بالاقتصاد في الحزن والفرح، وترك الغلو في ذلك، وحض على الصبر عند المصائب، واحتساب أجرها على الله، وتفويض الأمور كلها إليه؛ فقال تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155 - 157]؛ فحق على كل مسلم مؤمن علم سرعة الفناء ووشك الرحيل إلى دار البقاء ألا يحزن على فائت من الدنيا، وأن يستشعر الصبر والرضا؛ لينال الدرجات الرفيعة من ربه عز وجل
وفي الحديث: الحث على الصبر عند نزول مصيبة الموت