باب التوجه نحو القبلة حيث كان
بطاقات دعوية
قالَ عبدُ اللهِ: صلَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -[بهم صلاةَ الظهرِ ] [خمساً ]، فلما سلَّم قيلَ له: يا رسولَ اللهِ أحَدَث في الصلاةِ شيءٌ؟ (وفي روايةٍ: أزيد في الصلاة؟ وفي أخرى: أقصرت الصلاة أم نسيت؟) ، قالَ: وما ذاكَ؟ قالوا: صلَّيتَ خمساً، فثنى رجليه واستقبل القبلة، وسجد سجدتين [بعد ما سلم]، ثم سلَّم، فلما أقبل علينا بوجههِ قال:
" إنه لو حدَث في الصلاةِ شيءٌ لنبَّأتُكم به، ولكنْ إنما أنا بشَرٌ مثلُكم، أنسى كما تنسَوْنَ، فإذا نسِيتُ فذكِّروني، وإذا شك أحدُكم في صلاته فليتحرَّ الصواب، فليتم عليه، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين".
الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، وعلى العبدِ أنْ يَلزَمَ فيها الخُشوعَ والتدبُّرَ، وترْكَ الانشِغالِ بأحوالِ الدُّنيا، ولكنَّه قد يَسْهو فيها، فيَنقُصُ أو يَزيدُ في بعضِ أفعالِها، وهذا السَّهوُ يحتاجُ إلى ما يَجْبُرُه، وقد شُرِع سجودُ السَّهوِ لمِثلِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه ما حَدَثَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن سَهْوٍ في الصَّلاةِ، فيُخبِرُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى يومًا، قال إبراهيمُ النَّخَعيُّ -راوي الحديثِ-: «لا أدْري زادَ أو نَقَص»، ويُبيِّن أنَّه زاد ما في الصَّحيحينِ: «صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الظُّهرَ خَمْسًا»، فلمَّا سَلَّم مِن صَلاتِه سَأله بعضُ مَن صلَّى معه: أَحَدَثَ في الصَّلاةِ شَيْءٌ؟ والمقصودُ السُّؤالُ عن حُدوثِ شَيءٍ مِن الوَحْيِ يوجِبُ تغييرَ حُكمِ الصَّلاةِ بالزِّيادةِ على ما كانت معهودةً، فقال لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وما ذاك؟»، وهو سؤالُ مَن لم يَشعُرْ بما وَقَع منه، ولا يقينَ عِندَه ولا غَلَبةَ ظَنٍّ، وهو خِلافُ ما عندَهم؛ حيثُ قالوا: «صَلَّيْتَ كذا وكذا»؛ فإنَّه إخبارُ مَن يتحَقَّقُ ما وقَع. وقولُهم: «كذا وكذا» كنايةٌ عمَّا وقَع زائدًا على المعهودِ.قال ابنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: فثَنى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رِجْلَيه، فجَلَس كهَيئةِ القُعودِ للتشهُّدِ، ثمَّ سجَد سَجْدتَينِ للسَّهْوِ، ثمَّ قال لهم: إنَّه لو حَدَثَ في الصَّلاة شيءٌ لأَخْبَرْتُكم به، وقال: إنَّما أنا بَشَرٌ مثِلُكم، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ؛ فإذا نَسِيتُ فذَكِّروني.ولعلَّ مِن حِكَمِ اللهِ تعالى في تَقديرِ سَهوِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تَعليمَ أُمَّتِه كيف تَصنَعُ إذا سهَا الإمامُ في الصَّلاةِ. ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للنَّاسِ: «وإذا شَكَّ أحدُكم» فنَسيَ في صَلاتِه فلمْ يَدْرِ أزادَ فيها أمْ نقَصَ، «فلْيَتَحَرَّ الصَّوابَ»، فيَجتهِدَ في معرفةِ الحَقِّ والصَّوابِ؛ فإذا غلَب على ظنِّه شَيءٌ أو لقَرينةٍ معه ورآهُ أقرَبَ إلى الصَّوابِ، فلْيُتِمَّ بِناءً عليه، ثمَّ يسجُدُ للسَّهوِ سَجدتَينِ. والمقصودُ مِن الحديثِ: أنَّ مَنْ سَها في صَلاتِه وزادَ فيها وسَلَّمَ وهو ناسٍ، ثمَّ ذَكَر بعْدَ سَلامِه، فإنَّه يَستقبِلُ القِبلةَ ويَسجُدُ للسَّهْوِ؛ فإنَّ سُجودَ السَّهْوِ مِن تمامِ الصَّلاةِ، ولو كان بعْدَ السَّلامِ، فهو جُزءٌ مِن الصَّلاةِ، ويُشترَطُ له استِقبالُ القِبلةِ كالصَّلاةِ.
وفي الحديثِ: وُقوعُ السَّهوِ مِن الأنبياءِ علَيْهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الأفعالِ، وهذا غيرُ مُخِلٍّ بمَقامِ النبوَّةِ أو بشَيءٍ مِن الشَّريعةِ.
وفيه: أنَّ سُجودَ السَّهوِ سَجْدتانِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ سُجودِ السَّهوِ بعْدَ التَّسليمِ مِن الصَّلاةِ.