باب قصة يأجوج ومأجوج
بطاقات دعوية
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"يقول الله تعالى [يوم القيامة 5/ 241]: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك. فيقول: أخرج بعث (وفي رواية: فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى 5/ 241) النار. قال: [يا رب!] وما بعث النار؟ قال:
من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. فعنده يشيب الصغير، و {وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} ".
[فاشتد ذلك عليهم، 7/ 196] [حتى تغيرت وجوههم]، [فـ] قالوا: يا رسول الله! وأينا ذلك الواحد؟ قال:
"أبشروا؛ فإن منكم رجل (6) [واحد]، ومن يأجوج ومأجوج ألف (وفي رواية: تسعمائة وتسعة وتسعين) ". ثم قال:
"والذي نفسي بيده؛ إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة"، فكبرنا، فقال:
" [إني لـ] أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة"، فكبرنا، [حمدنا الله]، فقال: "أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة"، فكبرنا، [وحمدنا الله]، فقال:
"ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود، [أو الرقمة في ذراع الحمار] "
تَفضَّلَ اللهُ سُبحانَه على أُمَّةِ الإسلامِ بالفضْلِ العظيمِ في الدُّنيا والآخِرةِ، ويُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الحديثِ بَعضَ هذا الفَضلِ العظيمِ، حيثُ يُنجِّي اللهُ الكثيرَ مِن أهلِ الإسلامِ مِن النَّارِ يومَ القِيامةِ، فيُخبِرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الحديثِ القُدسِيِّ عن ربِّ العِزَّةِ: «يَقولُ اللهُ تعالَى: يا آدَمُ» فيُنادي عليه ويُجبُيه آدَمُ -وذلك في يومِ الحسابِ- «فيقول: لبَّيْك»، أي: إجابةً لَك بعْدَ إِجَابةٍ ولزُومًا لطاعتِك، «وسَعْدَيك»، أي: أَسْعِدْني إسعادًا بعْدَ إسْعادٍ، «والخَيرُ في يَدَيك» يُريدُ خَيرَ الدُّنيا والآخِرةِ، لَيس شَيءٌ منه في يَدِ غَيرِك، فيَقولُ اللهُ تعالَى له: «أَخْرِجْ مِن النَّاسِ بعْثَ النَّارِ»، أي: مَبعوثَها؛ وهم أهلُها الَّذين يَدخُلونها، فيَسأَلُ آدَمُ عليه السَّلامُ: وما مِقدارُهم؟ فيَقولُ تعالَى: «مِن كلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مئةٍ وتِسْعةً وتِسعينَ، فعِندَه يَشِيبُ الصَّغيرُ»؛ مِن شِدَّةِ الهَولِ لو تُصُوِّرَ وُجودُه؛ لأنَّ الهمَّ يُضْعِف القوِيَّ ويُسرِعُ بالشَّيبِ، أو هو مَحمولٌ على الحقيقةِ؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ يُبعَثُ على ما ماتَ عليه، فيُبعَثُ الطِّفلُ طِفلًا، فإذا وَقَعَ ذلك يَشيبُ الطِّفلُ مِن شِدَّةِ الهَولِ، «وتَضَعُ كلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها» لو فُرِضَ وُجودُها، أو أنَّ مَن مَاتَت حاملًا بُعِثَت حاملًا، فتَضَعُ حَمْلَها مِن الفَزَعِ، «وتَرى النَّاسَ سُكَارى»، يَعني: مَشْدُوهين، ليس عندهم عُقولٌ، ولكنَّهم لَيسوا بسُكارَى، «ولكنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ» تَأكيدٌ لهَولِ الموقفِ والحِسابِ، فقال الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم: يا رسولَ الله، وأيُّنا ذلك الواحِدُ؟! فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَبْشِروا؛ فإنَّ منكم رَجُلًا، ومِن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألْفًا»، وهمُ القَومُ الَّذينَ بَنى بسَبَبِهم ذو القَرنينِ السَّدَّ المذكورَ في قولِه تعالَى: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95]، وخُروجُهما مِن هذا الرَّدمِ أوِ السَّدِ عَلامةٌ مِن العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القيامةِ.
ثمَّ أقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «واللهِ الَّذي نفْسِي بيَدِه»، أي: باللهِ الَّذي رُوحُه بيَدِه يُصَرِّفُها كيف يَشاءُ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثيرًا ما يُقسِمُ بهذا القسَمِ، «إنِّي أرْجو أنْ تَكونوا» يا أهْلَ الإسلامِ والإيمانِ «رُبُعَ أهْلِ الجنَّةِ»، فكَبَّرَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم سُرورًا بهذه البِشارةِ العَظيمةِ، وظَلُّوا هكذا يُكبِّرون اللهَ كلَّما زادَهُم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عدَدِ مَن يَدخُلون الجنَّةَ إلى الثُّلثِ، ثمَّ إلى النِّصفِ، وهذه النِّسبةُ تكونُ مِن أُمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ممَّن أجابُوه وآمَنوا به، مُقابلَ المؤمنين مِن الأُمَمِ السَّابقةِ الَّذين يَدخُلون الجنَّةَ، وقدْ تدرَّجَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع أصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم؛ ليَسْتَثِيرَ فَرَحَهم، ثُمَّ بيَّن لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ سَببَ كَثرتِهم أنَّ عدَدَ المسلِمين في أرضِ المحشَرِ بالنِّسبةِ لعددِ المُشرِكين كنِسبةِ شَعرَةٍ بَيْضاءَ في شَعرِ جِلدِ الثَّورِ الأَسوَدِ، أو كَشَعرَةٍ سَوداءَ في جِلدِ الثَّورِ الأحمرِ، وهذا قَليلٌ جِدًّا.
وفي الحديثِ: عِظَمُ هَولِ يومِ القِيامةِ.
وفيه: إخبارُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَعضِ الغَيبيَّاتِ.
وفيه: رَحمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ بأمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.