باب التوقي على العمل1
سنن ابن ماجه
حدثنا عثمان بن إسماعيل بن عمران الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني أبو عبد رب، قال:
سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما الأعمال كالوعاء، إذا طاب أسفله طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله، فسد أعلاه (3) " (4)
في هذا الحديثِ يُخبِرُ مُعاوِيةُ بنُ أبي سُفْيانَ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قال: "إنَّما الأَعْمالُ كَالوِعَاءِ"، وفي رِوايةٍ: "إنَّ ما بَقِي مِن الدُّنيا بَلاءٌ وفِتنةٌ، وإنَّما مثَلُ عمَلِ أحَدِكم كمَثَلِ الوِعاءِ"، أي: مثَلُ الإناءِ الَّذي يَجمَعُ الأشياءَ ويَحْويها، "إذا طاب أسفَلُه، طاب أعلاه، وإذا فسَد أسفَلُه، فسَد أعلاه"، أي: إذا حَسُنَ البَدءُ فيه بالنِّيَّةِ الحسَنةِ الطَّيِّبةِ الصَّادقةِ حَسُن آخِرُه بتوفيقِ اللهِ؛ لأنَّ النِّيَّةَ هي رأسُ العمَلِ وأعلاه. وقيل: إنَّ القَصدَ مِن هذا التَّشيبهِ: أنَّ الظَّاهِرَ عُنوانُ الباطنِ، ومَن طابَتْ سَريرتُه طابَت عَلانِيَتُه، فإذا اقتَرَن العمَلُ بالإخلاصِ القلبيِّ الَّذي هو شَرْطُ القَبولِ أضاء له ما بِداخِلِه، وإذا اقتَرَن برِياءٍ أو نحوِه اكتَسَب ظُلمةً. وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم-كما في الصَّحيحَينِ-: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرِئٍ ما نَوى"، فإذا دخَل الرِّياءُ في العمَلِ فسَد العمَلُ؛ فإذا صاحَبَ الرياءُ أصلَ العمَلِ حبِطَ العملُ بالكليَّة، وإذا طرأَ عليه الرياءُ أثناءَ العملِ ودافعَه فإنَّه لا يَضرُّه، وإن لم يُدافعْه حبِطَ العملُ الذي داخلَه الرياءُ.
وفي روايةٍ: "إنَّما الأعمَالُ بِخَواتيمِهَا، كالوِعَاءِ إذَا طابَ أعلاهُ طابَ أسفَلُه، وإذَا فَسَد أعْلاهُ فَسَد أسْفَلُه"، وهو يُشيرُ إلى حُسنِ الخاتِمةِ وآخِرِ العمَلِ في آخِرِ العُمرِ؛ فعَن أنَسٍ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قالَ: "لا عليكم أَّلا تَعْجَبوا بأحدٍ حتَّى تَنْظُروا بِمَ يُخْتَمُ له؛ فإنَّ العامِلَ يَعْمَلُ زَمانًا مِنْ عُمُرِه، أو بُرْهَةً مِن دَهْرِه بِعَمَلٍ صالِحٍ لو ماتَ عليه، دخَل الجَنَّةَ، ثمَّ يَتَحوَّلُ، فيَعمَلُ عَمَلًا سيِّئًا، وإنَّ العَبدَ لَيَعمَلُ البُرهَةَ مِن عُمُرِه بِعَمَلٍ سيِّئٍ، لو ماتَ عليه دخَل النَّارَ، ثمَّ يتحَوَّلُ فيَعمَلُ عَمَلًا صالِحًا".
وفي الحديثِ: بيانُ أهمِّيَّةِ النِّيَّةِ في العمَلِ، وبيانُ أنَّ صلاحَ العملِ وفَسادَه مرتبطٌ بِها.