باب التوقي في الحديث عن رسول الله ﷺ 4
سنن ابن ماحه
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبو النضر، عن شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، قال: سمعت الشعبي يقول:
جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا (1).
الرِّوايةُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمانةٌ، وينْبَغي التَّحرُّزُ فيها، وهكذا كان الصَّحابةُ والتَّابعونَ يَتحرَّزون مِن كَثرةِ الرِّوايةِ دونَ حاجةٍ، وفي هذا الأثرِ يقولُ الشَّعبيُّ وهو عامرُ بنُ شُراحيلَ: "جالستُ ابنَ عُمرَ سَنةً فما سمعتُه يُحدِّثُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئا"، وهذا مِنَ التَّحرُّزِ والاحتِياطِ من رِوايةِ الحَديثِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وليس هذا مُخالفةً للأمرِ بالتبليغِ في قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "بَلِّغُوا عني ولو آيةً" الَّذي رواه البخاري عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو، ولا لِمَا أخرجَه ابنُ حِبَّانَ في صَحيحِه عن أبى بكْرةَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "لِيبلغِ الشاهدُ منكم الغائبَ"؛ لأنَّ التبليغَ فرضُ كفايةٍ، ولعلَّهُم في مِثلِ هذه الظروفِ الَّتي نُقِلت عنهم هذه الآثارُ فيها عَلِموا أنَّ السُّنَّةَ قد بُلِّغَتْ وتحمَّلَ أمانتَها غيرُهم، وإلا لو تَعَيَّن عليهم التبليغُ لما ساغَ لهم أنْ يَسْكُتوا، أو لعَلَّهم كانوا يُعلِّمون التابعينَ عدَمَ التجرُّؤِ على سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُربُّونَهم على مَهابتِها وقُدسيتِها؛ حتى يَتثبَّتوا فيما يَرُوونه ويَتناقلونَه منها.
وفي الحديثِ: الحثُّ على التَّحرُّزِ في روايةِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ( ).