باب: الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له4
سنن ابن ماجه
حدثنا هارون بن عبد الله الحمال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت
عن أم كرز الكعبية، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ذهبت النبوة، وبقيت المبشرات" (2)
انْقطَعَ خبَرُ السَّماءِ والوحيُ بمَوْتِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فهو آخِرُ الأنبياءِ إلى قِيامِ السَّاعةِ، ولكِنْ مِن رحمةِ اللهِ بالمُؤمِنين أنَّه يُبَشِّرُهم ويُعطيهم البُشرى بإرهاصاتٍ، مِثلُ الرُّؤيا الصَّادِقةِ في المنامِ؛ فرُؤيا المؤمِنِ حَقٌّ.
وفي هذا الحَديثِ يقَرِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه المعانيَ؛ فيخبرُ أنَّه لم يَبقَ من آثارِ النبُوَّةِ سِوى المبشِّرَاتِ، وهي الرُّؤيَا الصَّالحةُ التي يراها الشَّخصُ الصَّالِحُ في النَّومِ أو يراها له غيرُه، وكلَّما كان المرءُ أَكْثَرَ إيمانًا وتَقْوى، كانَتْ رُؤياهُ أكثرَ صِدقًا وتَحقُّقًا، والمبشِّراتُ هي الأخبارُ السارَّةُ، والمعنى: أنَّ النُّبوَّةَ قَدِ انقطَعَتْ إلَّا ما قَد يَراهُ المُؤمِنُ مِنَ الرُّؤيَا الصَّالحةِ الَّتي هي جُزءٌ مِن سِتَّةٍ وأربعينَ جَزءًا مِنَ النُّبوَّةِ.
والتَّعبيرُ بِالمبشِّراتِ خَرَجَ مخرج الأَغْلَبِ؛ فإنَّ مِنَ الرُّؤيا ما تَكونُ مُنذِرةً وهي صادقةٌ يُريها اللهُ لِلمُؤمِنِ؛ رِفقًا به لِيَستعدَّ لِمَا يقَعُ قبْلَ وُقوعِه؛ فقد تُبشِّرُه بخَيرٍ يأتيه، أو شرٍّ يُطرَحُ عنه.
وفي الرُّؤيا الصَّالِحةِ الصَّادِقةِ يُطْلِعُ اللهُ النَّائمَ على ما جَهِلَه في يَقَظتِه، وعلى هذا فالمؤمِنُ يَرى الرُّؤيا أو يراها له غيرُه، فتَكونُ بُشْرى بخيْرٍ أو ناهيةً عن شَرٍّ، وليْس في هذا إرهاصٌ بادِّعاءِ النُّبوَّةِ، ولكِنْ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ وبُشْرى لِمَنْ شاء مِن عِبادِه المُؤمِنينَ.
وفي الحَديثِ: بَيانٌ واضِحٌ أنَّ النُّبوَّةَ خُتِمتْ بمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.