باب الرجل يضع خشبة على جدار جاره 1
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، ومحمد بن الصباح، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج، قال:
سمعت أبا هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استأذن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه". فلما حدثهم أبو هريرة طأطؤوا رؤوسهم، فلما رآهم قال: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكنافكم (1).
الجارُ في الإسلامِ حَقُّهُ عظيمٌ، وقدْ أَوْصى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ به، وحَثَّ على الرِّفقِ به والتَّعاونِ معه.
وفي هذا الحديثِ أمرٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للإرشادِ إلى التَّعاوُنِ بيْن الجِيرانِ والمُعامَلةِ بالتَّسامُحِ في بَعضِ الأُمورِ، ومِنها ألَّا يَمْنعَ جارٌ جارَهُ مِن وَضْعِ خَشبةٍ في جِدارِهِ وإنْ كانَ الجِدارُ ليسَ مِن حَقِّ واضعِ الخَشبةِ وَلا لَهُ فيهِ شَرِكةٌ، ولكنْ مِن حَقِّ الجيرانِ أنْ يَنفَعَ بَعضُهمْ بَعضًا، دُونَ إِلْحاقِ ضَررٍ بأيٍّ مِن الطَّرَفينِ.
وكأنَّ بَعضَ السَّامعينَ لهذا الحديثِ مِن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه لم يُعجِبْهم ولم يَرْضَوا، فقال لهم أبو هُريرَةَ رَضيَ اللهُ عنه: ما لي أراكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟! أي: غيرَ راضينَ عنْ هذا الحُكمِ وهذا القولِ الَّذي أَمَرَ بهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟! ثمَّ تَركْتُم العَملَ بهِ فيما بَيْنكمْ. ثمَّ قال لهم: «وَاللهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بيْن أَكْتَافِكُمْ»، وقد أرادَ بقولِه هذا التَّغليظَ عليهِمْ رَغْمَ إعْراضِهمْ عنِ الأَمرِ، بمعنى: لأَجْعَلنَّ هذا الحُكمَ واضحًا أمامَ أعينِكُمْ حتَّى وإِنْ كَرِهتُموهُ. أو لئنْ كَرِهْتُمْ أنْ يَضَعَ الجارُ الخَشبةَ في جِدارِ جارِهِ فسَوفَ أُلقِي هذِهِ الخشبةَ على أَكْتافِكُمْ لا على الجُدرانِ، وهذا المعنى أيْضًا للتَّغليظِ والتَّخويفِ مِن رَدِّ أَمرٍ مِنْ أوامِرِ النَّبيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورفْضِه.
وفي الحديثِ: بَيانُ ضَرورةِ إِظهارِ الحقِّ للنَّاسِ وَلوْ كانَ مُرًّا وصَعْبًا علَيهِم.