باب الغيرة 6
سنن النسائي
أخبرني إبراهيم بن الحسن المقسمي، عن حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء، أخبرني ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتجسسته، فإذا هو راكع أو ساجد، يقول: «سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت» فقلت: بأبي وأمي، إنك لفي شأن، وإني لفي شأن آخر
كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقومُ مِن اللَّيلِ فيُصلِّي ويُناجي ربَّه
وفي هذا الحَديثِ يَسألُ ابنُ جُريجٍ- من رواةِ الحديثِ- عطاءَ بنَ أبي رَباحٍ، قلتُ لعطاءٍ: كيف تقول أنت في الرُّكوعِ؟ فقال عطاءٌ لابنِ جُريجٍ: أمَّا، أي: أمَّا أنا فأقول في رُكوعي: سبحانَك وبحمدِك لا إلهَ إلَّا أنتَ، يقولُ عطاءٌ: فأخْبَرني ابنُ أبي مُلَيْكَة عن عائشةَ قالت: "افتقَدْتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذاتَ ليلةٍ"، أي: إنَّها كانت ليلتُها التي يبيتُ معها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فاستيقَظَتْ فلم تجِدِ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في فراشِه، "فظنَّتْ أنَّه ذهَبَ إلى بعضِ نسائِه"، أي: جاء في نَفْس عائشةَ وسِرِّها أنَّه ترَكها وذهَب إلى إحدى نسائِه في الحُجُراتِ المجاورةِ لها، وهذا مِن شأنِ الغَيرةِ بين الضَّرائرِ، قالت: "فتحسَّسْتُ"، أي: جعلتْ تَطلُبه بيدِها باحثةً عنه؛ وذلك لأنَّ الظَّلامَ يَعُمُّ الحُجرةَ، ثمَّ رجَعَتْ، أي: وفي رُجوعِها عن البحث والتحسس، وجدَتْه، "فإذا هو راكعٌ أو ساجدٌ يقولُ: سُبحانَك وبحَمْدِك، لا إلهَ إلَّا أنتَ"، أي: كان هذا دعاءَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ركوعِه أو في سجودِه، وقولُه: "سُبحانَك وبحَمْدِك لا إلهَ إلَّا أنتَ"، أي: تعظيمًا وتنزيهًا لك يا ربِّ، وحمدًا لك؛ فأنتَ المُستحقُّ للتَّقديسِ والتَّنزيهِ؛ لأنَّه لا إلهَ غيرُكَ
فلمَّا رأَتْ فِعلَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن قيامِه ووقوفِه بين يدَيْ ربِّه، وسمِعَتْ دعاءَه، قالتْ عائشةُ رضِي اللهُ عنها مُراجِعةً نَفْسَها بعد هذا الظَّنِّ: "بأبي أنتَ وأمِّي! إنِّي لفي شأنٍ، وإنَّك لفي آخَرَ"، أي: أنتَ في شأنِ ربِّك، وأنا أُفكِّرُ في شأنِ الدُّنيا مِن الغَيرةِ مِن الضَّرائرِ وما شابَه ذلك
وفي الحديثِ:بيانُ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم واهتمامُه بالقيامِ والصَّلاةِ للهِ في جوفِ اللَّيلِ
وفيه: حُصولُ الغَيرةِ بين الضَّرائرِ؛ حتَّى عند الفُضْليَاتِ الصَّالحاتِ وأُمَّهاتِ المؤمنينَ