باب اليمين على المدعى عليه
بطاقات دعوية
حديث ابن عباس إن امرأتين كانتا تخرزان في بيت أو في الحجرة، فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفا في كفها، فادعت على الأخرى، فرفع إلى ابن عباس، فقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم ذكروها بالله، واقرءوا عليها (إن الذين يشترون بعهد الله) فذكروها فاعترفت فقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اليمين على المدعى عليه
اهتم الشرع المطهر بحفظ الحقوق بين الناس، ووضع الضوابط التي باتباعها تحفظ تلك الحقوق، وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: "أن امرأتين كانتا تخرزان"، أي: تعملان بالخياطة في الجلود كخرزهم للخف والأسقية وغيرها، "في بيت، أو في الحجرة"، أي: إشارة إلى انفرادهما، "فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى في كفها"، أي: مرت الآلة التي تخرز بها من بطن كفها إلى ظهرها، والإشفى: المثقب، "فادعت على الأخرى"، أي: اتهمت من معها بأنها هي التي أصابتها، "فرفع أمرهما إلى ابن عباس"، أي: ليقضي فيهن؛ وذلك أن الأخرى قد أنكرت ما تدعي به صاحبتها عليها، فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم"، أي: لو تلزم وتجب لهم الحقوق بمجرد دعواهم بدون بينة أو إقرار من المدعى عليه، لذهب دماء قوم وأموالهم"، أي: لضاعت الحقوق بين الناس
ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ذكروها بالله"، أي: عظوها، وبينوا لها جزاء من يأخذ حقوق الناس كذبا، واقرؤوا عليها: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} [آل عمران: 77]، أي: يستبدلون بما عاهدوا عليه الله من الإيمان به وبرسوله، والوفاء بالأمانات {وأيمانهم} أي: وحلفهم الكاذب {ثمنا قليلا} أي: زهيدا بخسا من حطام الدنيا ومتاعها، وأي شيء في الدنيا فهو قليل بالموازنة بما في الآخرة: {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 77]، أي: لا نصيب لهم في الآخرة؛ لأنهم يبيعون آخرتهم بدنياهم، وهذا محمول على من لم يتب ولم يكفر عن أيمانه الكاذبة. قال الراوي: "فذكروها فاعترفت"، أي: ذكروا المرأة المدعية التي أصابت نفسها بالله تعالى فاعترفت على نفسها، فقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليمين على المدعى عليه"، أي: إن لم تعترف المرأة وأصرت على دعواها، فيكفي الأخرى أن تنكر باليمين لدفع ما يدعى به عليها
وفي الحديث: الرجوع إلى أهل العلم فيما أشكل على الناس. وفيه: بيان ما في التذكير والوعظ من خير