[باب] بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع 2
بطاقات دعوية
عن بريدة رضى الله عنه قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا (158)، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ذكرت ذلك له، فقال: «يا بريدة! أتبغض عليا». فقلت: نعم. قال:
«لا تبغضه؛ فإن له فى الخمس أكثر من ذلك".
أصْحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيرُ هذه الأُمَّةِ بعْدَ نَبيِّنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبرَغمِ فَضلِهم، ومَكانَتِهم، وجِهادِهم؛ إلَّا أنَّهم كانوا بشَرًا يَعْتَريهم ما يَعْتَري البشَرَ مِن الخَطأِ، والنِّسْيانِ، وفِعلِ ما لا يَنبَغي أحْيانًا، إلَّا أنَّهم تَميَّزوا بأنَّهم كانوا أسرَعَ النَّاسِ للتَّوبةِ والاسْتِجابةِ لأمرِ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي بُرَيْدةُ بنُ الحَصيبِ الأسْلَميُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان في جَيشٍ معَ خالِدِ بنِ الوَليدِ رَضيَ اللهُ عنه، فبعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى خالِدِ بنِ الوليدِ رَضيَ اللهُ عنه؛ ليَقْبِضَ خُمُسَ الغَنيمةِ الَّتي حصَلَ عليها مِن أمْوالِ أهلِ اليمَنِ، كما بيَّنَتْ رِوايةٌ أُخْرى للبُخاريِّ، وكان بُرَيْدةُ رَضيَ اللهُ عنه يُبغِضُ عَليًّا رَضيَ اللهُ عنه، ويَكرَهُ منه بعضَ الأُمورِ؛ لأنَّه رَآه قدِ اغتَسَلَ، فظَنَّ أنَّه اغتَسَلَ بعْدَ أنْ جامَعَ جاريةً قدِ اخْتارَها لنَفْسِه منَ الغَنيمةِ قبْلَ أنْ تُقسَّمَ، أو جامَعَها دونَ استِبْراءٍ لرَحِمِها، فأخَذَ عليه ذلك وكرِهَه. وقد أُجيبَ عن ذلك بأنَّ عَليًّا رَضيَ اللهُ عنه إنَّما بعَثَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليُقسِّمَ الغَنائمَ، ويأخُذَ الخُمُسَ، وقدْ فَعَلَ ذلك، فخرَجَتِ الجاريةُ مِن نَصيبِه، فعلى هذا فهو قدْ تصَرَّفَ في نَصيبِه رَضيَ اللهُ عنه، وأمَّا اغْتِسالُه رَضيَ اللهُ عنه مِن جِماعِها دونَ استِبْراءِ رَحِمِها؛ فقيلَ: لعلَّ الجاريةَ كانت بِكرًا، والبِكرُ لا يُشتَرَطُ استِبْراؤُها، وقيلَ: لعلَّه اغتَسَلَ لسبَبٍ آخَرَ، ولم يُجامِعِ الجاريةَ، فوقَعَ الظَّنُّ أنَّ غُسلَه كان مِن جِماعِها.
وبُغضُ بُرَيْدةَ رَضيَ اللهُ عنه لعَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه بسَببِ ذلك يُعذَرُ فيه؛ فإنَّ الإنْسانَ إذا رَأى مَن يَفعَلُ شَيئًا لا يَفهَمُه أبْغَضَه لذلك، وهذا مَنْسوبٌ إلى سُوءِ الفَهمِ أيضًا، فكأنَّه كان يَرى مِن أفْعالِه ما لا يَعلَمُ مَعْناه، فيُبغِضُه لذلك، ولكنْ زالَ هذا البُغضُ لمَّا زالَ الإشْكالُ، ووضَّحَ له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ عَليًّا لم يُخْطئْ، وهذا ما أخبَرَ به بُرَيْدةُ رَضيَ اللهُ عنه، حيث حَكى أنَّه حدَّثَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك لَمَّا رجَعَ إليه، وذكَرَ له ما كان مِن عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، فسَأَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائلًا: «أتُبغِضُ عَليًّا؟» فأقَرَّ بُرَيْدةُ ببُغضِه إيَّاه؛ وذلك لِمَا ظَنَّه مِن أنَّ عَليًّا رَضيَ اللهُ عنه أخَذَ ما ليس مِن حَقِّه، فنَهاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بُغضِه، وأخْبَرَه أنَّ عَليًّا رَضيَ اللهُ عنه له في الخُمُسِ أكثرُ مِمَّا أخَذَ، فعندَها زالَ الإشْكالُ الَّذي كان عندَ بُرَيْدةَ رَضيَ اللهُ عنه، وقال بعْدَ ذلك -كما ثبَتَ في مُسنَدِ أحمَدَ-: «فمَا كان مِن النَّاسِ أحدٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن عَليٍّ»، رَضيَ اللهُ تعالَى عنِ الصَّحابةِ أجْمَعينَ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَنقَبةٍ لعَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: النَّهيُ عن بُغضِ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه.