باب حرمة دم المؤمن وماله3
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري، حدثنا عبد الله بن وهب، عن أبي هانئ، عن عمرو بن مالك الجنبي
أن فضالة بن عبيد حدثه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب" (2)
حُسنُ الخُلقِ مِن الصفاتِ الجليلةِ التي يَنبَغي أن يتَّصِفَ بها المؤمِنُ، وقد اهتمَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بهذا الجانب اهتمامًا بالغًا؛ فهو الهادي لأمَّتِه إلى طَريقِ الخيرِ، وهو مُعلِّمُها الأوَّلُ، ولا سِيَّما فيما يتَعلَّقُ بأمورِ الحياةِ الَّتي تَحتاجُ إلى التَّوجيهِ إذا اختَلَف النَّاسُ وتبَدَّلَت أحوالُهم من حيثُ الدِّيانةُ والأمانةُ والأخلاقُ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ فَضالةُ بنُ عُبيدٍ رَضِي اللهُ عَنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "المؤمِنُ مَن أَمِنَه النَّاسُ على أموالِهم وأنفُسِهم"، أي: المؤمنُ الحقُّ كامِلُ الإيمانِ، هو مَن أَمِنَه النَّاسُ ولم يَخافوا مِنه على دِمائِهم وأموالِهم؛ لأنَّ الإيمانَ يُوجِبُ على صاحِبِه القِيامَ بحقوقِ الإيمانِ مع النَّاسِ، مثلِ: رِعايةِ الأماناتِ، والصِّدقِ في المعامَلاتِ، والورَعِ عن ظُلمِ النَّاسِ في دِمائِهم وأموالِهم، وفي مُسنَدِ أحمَدَ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له".
ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "والمهاجِرُ مَن هجَر الخطايا والذُّنوبَ"، وهذه هِجرةُ المؤمِنِ إلى ربِّه بقلبِه وجَوارِحِه بتَنْفيذِ أوامِرِه واجتنابِ نَواهيه، وليس مُجرَّدَ تَرْكِ بلادِ الكفرِ إلى دارِ الإيمانِ، فيُهاجِرُ بقَلبِه مِن مَحبَّةِ غيرِ اللهِ إلى محبَّتِه، ومِن عُبوديَّةِ غيرِ اللهِ إلى عبوديَّتِه، ومِن خوفِ غيرِ اللهِ ورَجائِه والتَّوكُّلِ عليه إلى خَوفِ اللهِ ورَجائِه والتَّوكُّلِ عليه، ومِن دُعاءِ غيرِ اللهِ وسؤالِه والخُضوعِ له والاستِكانةِ له إلى دُعاء اللهِ تعالى وسُؤالِه والخضوعِ له، والذُّلِّ له والاستكانةِ له، وفي صحيحِ البخاريِّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "المهاجِرُ مَن هجَر ما نَهَى اللهُ عنه".
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ أثَرَ الدِّينِ ينبَغي أن يَظهَرَ في سلوكِ الإنسانِ بينَ النَّاسِ؛ فلا يُؤذِيَهم، ويَظهَرَ في أفعالِه الذَّاتيَّةِ فيَجتنِبَ المحرَّماتِ ويَفعَلَ المأمورَ به.