باب حرم المدينة
بطاقات دعوية
عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث (1)، من أحدث فيها حدثا [أو آوى محدثا 8/ 148]؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"
جعَل اللهُ عزَّ وجلَّ لمَكَّةَ والمدينةِ مَنزلةً تَفوقُ غيرَهما مِن الأماكنِ والمنازلِ، وقد حرَّم اللهُ مكَّةَ لإبراهيمَ عليه السَّلامُ، وجَعَلها بَلَدًا آمِنًا؛ وكذلك حرَّم المدينةَ لرَسولِ اللهِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أنسُ بنُ مالكٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «المَدينةُ حَرَمٌ مِن كذَا إلى كَذَا». وجاء في حَديثِ علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه في الصَّحيحَينِ مَرفوعًا: «المدينةُ حرَمٌ ما بيْن عَيرٍ إلى ثَورٍ». وفي الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «ما بيْن لابَتَيها حَرامٌ»، واللَّابَتانِ: تَثنيةُ لَابَةٍ، واللَّابَةُ الحَرَّةُ، وهي أرضٌ ذاتُ حِجارةٍ سَوداءَ كأنَّها أُحرِقَت بالنارِ، فالمَدينةُ -زادَها اللهُ تعالَى شَرفًا- بيْن حَرَّتينِ في جانَبيِ الشَّرقِ والغَربِ، والحَرَّةُ الشرقيَّةُ (حَرَّةُ واقِمٍ) الآنَ بها قُباءٌ وحِصنُ واقِمٍ، والحرَّةُ الغربيَّةُ هي حَرَّةُ وَبَرةَ، وبها المَسجِدُ المُسمَّى بمَسجِدِ القِبلتَينِ. وحُدودُها مِن جِهةِ الجَنوبِ والشَّمالِ: ما بيْن جَبَلَيْ عَيرٍ وثَورٍ، فحَدُّ الحرمِ النَّبويِّ ما بيْن جَبلِ عَيْرٍ جَنوبًا، ويَبعُدُ عن المسجدِ النَّبويِّ (8,5 كم)، وجَبلِ ثَورٍ شَمالًا، ويَبعُدُ عن المسجدِ النبويِّ (8 كم). وقد قامت لَجنةٌ رَسميَّةٌ في المَملكةِ العَربيَّةِ السُّعوديةِ بتَحديدِ حرَمِ المدينةِ، وجَعَلَت أمانةُ المدينةِ المنوَّرةِ عَلاماتٍ مِعماريَّةٍ على شَكْلِ أقواسِ المسجِدِ النَّبويِّ في أماكنَ عِدَّةٍ تُبيِّنُ هذه الحدودَ.
ومِن مَظاهرِ تَحريمِها: أنَّه يَأمَنُ فيها كلُّ شَيءٍ، حتَّى الشَّجرُ فلا يُقطَعُ، إلَّا ما يَزرَعُه الآدميُّ بنفْسِه فمَشروعٌ له قطْعُه والأكْلُ منه، وأيضًا يَحرُمُ صَيدُ المدينةِ كما في حرَمِ مكَّةَ، لكنْ لا جَزاءَ على مَن صادَ بها؛ لأنَّ حرَمَ المدينةِ ليسَ مَحلًّا للنُّسكِ بخِلافِ حرَمِ مكَّةَ. وفي صَحيحِ مَسلمٍ مِن حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللهُ عنه: «وإنِّي حرَّمْتُ المدينةَ حَرامًا ما بيْن مَأزِمَيْها، ألَّا يُهْراقَ فيها دَمٌ، ولا يُحمَلَ فيها سِلاحٌ لقِتالٍ، ولا تُخبَطَ فيها شَجرةٌ إلَّا لعَلَفٍ».
ومنها أيضًا: ألَّا يَعمَلَ فيها إنسانٌ عمَلًا يُخالِفُ دِينَ اللهِ تعالَى، أو يَبتدِعَ فيها بِدعةً، أو يَرتكِبَ كَبيرةً؛ فمَن أحدَث فيها شَيئًا مِن ذلك، فقدِ استحَقَّ لَعنةَ اللهِ -وهو الطَّردُ والإبعادُ مِن رَحمتِه- والملائكةِ والنَّاسِ أجمعينَ، وهو دُعاؤهم عليه بالبُعدِ عن رَحمةِ اللهِ تعالَى، وهذا وَعيدٌ شَديدٌ، لكنْ يُرادُ به هنا العذابُ الَّذي يَستحِقُّه على ذَنْبِه، والطَّردُ عنِ الجنَّةِ أوَّلَ الأمرِ، وليستْ هي كلَعنةِ الكُفَّارِ الَّذين يُبعَدونَ مِن رَحمةِ اللهِ تعالَى كُلَّ الإبعادِ.
وفي الحديثِ: أنَّ العمَلَ المخالِفَ لشَرْعِ اللهِ في المدينةِ يُعَدُّ مِن الكبائرِ.