باب دية الجنين 2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: حدثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة قال:
استشار عمر بن الخطاب الناس في ملاص المرأة (1)، يعني سقطها. فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بغرة: عبد أو أمة، فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك، فشهد معه محمد بن مسلمة (2).
كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو مَرجِعَ الصَّحابةِ في كلِّ ما يجِدُّ لهم في حياتهم من نوازِلَ وحوادِثَ، فيُعلِّمُهم ما جَهِلوه، ويفصِلُ بينهم فيما اختلفوا فيه، ويحكُمُ بينهم بما أراه الله تعالى.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ امرأتينِ مِن قَبيلةِ هُذَيلٍ اقتتَلَتا، «فرَمَتْ إحداهما» وهي أُمُّ عَفِيفٍ بِنْتُ مَسْرُوحٍ «الأُخْرَى» وهي مُلَيْكَةُ بِنْتُ عُوَيْمِرٍ «بِحَجَرٍ، فأصاب بطنَها وهي حامِلٌ، فقَتَلَتْ» الجنينَ الذي في بطنِها، فتنازعوا الأمرَ وتحاكموا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقَضَى على الجانيةِ دِيَةً للجنينِ الذي كانت سببًا في إسقاطِه، غُرَّةً: عَبْدًا أو أَمَةً، وأصلُ الغُرَّة: البَيَاضُ في الوَجهِ، ثم استُخدِم في الجِسمِ كلِّه، فلمَّا سَمِعَ زوجُها -وهو الصَّحابيُّ حَملُ بنُ مالكِ بنِ النابغةِ الهُذَليُّ رَضِيَ اللهُ عنه- ذلك قال: «كيف أَغْرَم -يا رسولَ الله- مَن لا شَرِبَ ولا أَكَل، ولا نَطَق ولا اسْتَهَل» أي: نَزَل صارخًا عندَ الولادةِ، يعني: كيف ندفَعُ دِيَةً لِمَن لم يُولَدْ ويرى الحياةَ؟! «فمِثْلُ ذلك يُطَلُّ!»، أي: مِثلُ ذلك الدَّمِ يكونُ هَدْرًا ولا تكونُ فيه دِيَةٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّما هذا مِن إخوانِ الكُهَّانِ»؛ لِمُشابهتِه لهمْ في كَلامِهم الذي يُزيِّنونه بِسَجْعِهم، فيَرُدُّون به الحقَّ ويُقِرُّون الباطلَ، والكاهنُ: هو مَن يَدَّعي عِلْمَ الغَيْبِ والإخبارَ بما سيَقَعُ مُستقبَلًا، وكان للكُهَّانِ كَلامٌ مَسْجُوعٌ يُروِّجون به الباطلَ.
وفي الحَديثِ: أنَّ الجَنينَ في بَطنِ أمِّه له حَقُّ الحياةِ، فيَلزَمُ الحِفاظُ عليه، ويُعاقَبُ من اعتدى عليه.