باب ذكر القضاة 2
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا يعلى، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختريعن علي، قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم، ولا أدري ما القضاء؟ قال: فضرب بيده في صدري، ثم قال: "اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه" قال: فما شككت بعد في قضاء بين اثنين (1).
مِن العَدْلِ في القَضاءِ بينَ النَّاسِ: أنْ يَسْمَعَ القاضي مِن الخَصْمَينِ مُتجَرِّدًا مِن الأهواءِ ومِن كلِّ ما يُؤدِّي إلى التَّأثيرِ في الحُكمِ بما لا يُرْضي اللهَ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عليُّ بنُ أبي طالٍبٍ رَضِي اللهُ عَنه: "بعَثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى اليمَنِ قاضيًا", أي: حاكِمًا بينَهم في المُنازَعاتِ, فقال عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: "تُرْسلُني وأنا حَديثُ السِّنِّ", أي: صغيرُ السِّنِّ, "ولا عِلْمَ لي بالقضاءِ", أي: لا خِبْرةَ لي بما يَدورُ فيه مِنْ مَكْرِ الخَصْمَينِ وغيرِ ذلك, "فقال: إنَّ اللهَ سيَهْدي قَلْبَكَ", أي: يُرْشِدُه إلى الحقِّ والصَّوابِ, "ويُثبِّتُ لسانَكَ", أي: على النُّطْقِ بالحُكْمِ الصَّحيحِ.
ثمَّ عَلَّمَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يُعينُه على حُسْنِ القضاءِ، فقال: "فإذا جَلَسَ بين يدَيْك الخَصْمانِ, فلا تَقْضِيَنَّ حتى تَسْمَعَ مِن الآخَرِ", أي: لا تَحْكُمْ بقولِ الخَصْمِ الأوَّلِ حتَّى تَسْمَعَ مِنَ الثَّاني؛ "فإنَّه أَحْرى أنْ يَتْبيَّنَ لك القضاءُ", أي: يَظْهَرَ لك وَجْهُ الحُكْمِ بالحقِّ.
قال عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه: "فما زِلتُ قاضيًا، أو ما شكَكْتُ في قضاءٍ بَعْدُ", أي: إنَّه بَعْدَ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتعليمِه له، لم يَشُكَّ في حُكْمٍ أو قضاءٍ قضاه بَعْدَ ذلك.
وفي هذا الحديثِ: أنَّ الخيرَ في طاعةِ كلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: تَدْريبُ الشَّبابِ على حَمْلِ الأمورِ العِظامِ( ).