باب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من يقتل ببدر
بطاقات دعوية
عن عمرو بن ميمون أنه سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدث عن سعد بن معاذ أنه قال: كان صديقا لأمية بن خلف [بن أبي صفوان]، وكان أمية إذا [انطلق إلى الشام، ف 4/ 184] مر بالمدينة؛ نزل على سعد، فكان سعد إذا مر بمكة؛ نزل على أمية، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؛ انطلق سعد معتمرا، فنزل على أمية بمكة، فقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت. [فقال أمية لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار , وغفل الناس , انطلقت فطفت]. فخرج به قريبا من نصف النهار، فلقيهما أبو جهل، فقال: يا أبا صفوان! من هذا معك؟ فقال: هذا سعد. فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد آويتم الصباة (2)، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم؟! أما والله لولا أنك مع أبى صفوان؛ ما رجعت إلى أهلك سالما. فقال له سعد -ورفع صوته عليه- (وفى رواية: فتلاحيا بينهما ... ثم قال سعد): أما والله لئن منعتنى هذا (وفي رواية: أن أطوف بالبيت) لأمنعنك ما هو أشد عليك منه؛ طريقك على المدينة (وفي رواية: متجرك بالشام). فقال له أمية (وفي رواية: فجعل أمية يقول لسعد): لا ترفع صوتك يا سعد! على أبى الحكم سيد أهل الوادى. [وجعل يمسكه، فغضب سعد]، فقال: دعنا عنك يا أمية، فوالله لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنهم قاتلوك. [قال: إياى؟ قال: نعم. قال: والله ما يكذب محمد إذا حدث]. قال: بمكة؟ قال: لا أدرى. ففزع لذلك أمية فزعا شديدا، فلما رجع أمية إلى أهله؛ قال: يا أم صفوان! ألم ترى ما قال لي [أخي اليثربى] سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلى، فقلت له: بمكة؟ قال: لا أدرى. [قالت: فوالله ما يكذب محمد]. فقال أمية: والله لا أخرج من مكة.
فلما كان يوم بدر؛ استنفر أبو جهل الناس قال أدركوا عيركم! [قالت له امرأته: أما ذكرت ما قاله لك أخوك اليثربي؟] فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل، فقال: يا أبا صفوان! إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادى؛ تخلفوا معك [فسر يوما أو يومين]. فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما إذ غلبتني؛ فوالله لأشترين أجود بعير بمكة ثم قال أمية يا أم صفوان! جهزيني. فقالت له: يا أبا صفوان! وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربى؟ قال: لا، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا. [فسار معهم يومين]، فلما خرج أمية؛ أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره، فلم يزل بذلك حتى قتله الله عز وجل ببدر.
في هذا الحَديثِ يَحْكي عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ سَعدَ بنَ مُعاذٍ الأنْصاريَّ رَضيَ اللهُ عنه انطلَقَ مِن المَدينةِ مُعتمِرًا -وكانوا يَعتَمِرونَ مِن المَدينةِ قبْلَ أنْ يَعتَمِرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فنزَل حِينَ دُخولِه مكَّةَ للعُمرةِ على أُمَيَّةَ بنِ خَلفٍ أبي صَفْوانَ، وكان مِن كِبارِ المُشرِكينَ، وكانوا أصْدقاءَ، وكان أُمَيَّةُ إذا انطلَقَ إلى الشَّامِ للتِّجارةِ، فمَرَّ بالمَدينةِ لأنَّها طَريقُه؛ نزَل على سَعدِ بنِ مُعاذٍ، وكان سَعدٌ ذاتَ مرَّةٍ بمكَّةَ وأرادَ أنْ يَطوفَ بالكَعبةِ، فأمَرَه أُميَّةُ أنْ يَنتَظِرَ، حتَّى إذا انتصَفَ النَّهارُ وغفَل النَّاسُ خرَج للطَّوافِ، وذلك خَشْيةَ أنْ يُعارِضَه أحدُهم، فلمَّا غفَل النَّاسُ انطلَقَ سَعدٌ وطاف به، فبَيْنا سَعدٌ يَطوفُ، إذ حَضَر أبو جَهلٍ عندَ الكَعبةِ، وجعَلَ يَعتَرِضُه، فسَأَله عن نفْسِه، فأخبَرَه أنَّه سَعدُ بنُ مُعاذٍ، فقال له أبو جَهلٍ: تَطوفُ بالكَعبةِ آمِنًا وقد آوَيْتُم محمَّدًا وأصْحابَه؟! يُريدُ مَن هاجَرَ إليهم مِن مكَّةَ، وزَعَمتُم أنَّكم تَنصُرونَهم وتُعينونَهم، أمَا واللهِ لولا أنَّكَ معَ أبي صَفْوانَ ما رجَعْتَ إلى أهلِكَ سالِمًا، وهذا تَهْديدٌ لسَعدٍ، فأجابَه سَعدٌ: نَعمْ، آوَيْناهم في بِلادِنا، وظلَّ الاثْنانِ يَتَجادَلانِ فتَلاحَيا، أي: تَخاصَمَ سَعدٌ وأبو جَهلٍ وتَنازَعا بيْنَهما. فقال أُمَيَّةُ لسَعدٍ: لا تَرفَعْ صوتَكَ على أبي الحكَمِ، يُريدُ أبا جَهلٍ؛ فإنَّه سيِّدُ أهلِ الوادي، أي: مكَّةَ، وهذا مِن العَصبيَّةِ لسيِّدِ قَومِه، ثمَّ قال سَعدٌ لأبي جَهلٍ مُتوعِّدًا ومُهدِّدًا: واللهِ لئنْ منَعْتَني أنْ أطوفَ بالبَيتِ، لَأقْطَعَنَّ مَتْجرَكَ بالشَّامِ، أي: واللهِ لئنْ منَعْتَني هذا لَأمْنَعَنَّكَ ما هو أشدُّ عليكَ منه، وهو قَطْعُ طَريقِكَ على المَدينةِ إلى الشَّامِ، ثمَّ جعَلَ أُميَّةُ يُكرِّرُ على سَعدٍ ألَّا يَرفَعَ صَوتَه على أبي الحكَمِ، وجعَل يُمسِكُه لئلَّا يَلحَقَه مَكروهٌ، فغَضِب سَعدٌ مِن أُمَيَّةَ، وقال له: دَعْنا عنكَ، أي: اترُكْ مُحاماتَكَ لأبي جَهلٍ، وأخبَرَهما أنَّه سَمِع محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخبِرُ أنَّه سيَقتُلُ أُمَيَّةَ، فلمَّا سَمِع أُمَيَّةُ ذلك حلَفَ بأنَّ محمَّدًا لا يَكذِبُ؛ فهو الصَّادِقُ المَصْدوقُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهكذا فعَلَتِ امْرأةُ أُمَيَّةَ حينَ حدَّثها بذلك، فصَدَّقَتْ قولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فلمَّا أرادَتْ قُرَيشٌ الخُروجَ إلى بَدرٍ لمُحارَبةِ المُسلِمينَ في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهِجرةِ، وجاء صَوتُ المُستَصرِخِ -أي: المُستَغيثِ- يَدْعو قُريشًا إلى الخُروجِ في الجَيشِ لقِتالِ المُسلِمينَ؛ ذكَّرَتْه امْرأتُه بقَولِ سَعدٍ، فأرادَ أُمَيَّةُ ألَّا يَخرُجَ معَهم إلى بَدرٍ؛ خَوفًا ممَّا قالهُ سَعدٌ، فقال له أبو جَهلٍ: إنَّكَ مِن أشْرافِ الوادي، أي: مكَّةَ، فسِرْ يومًا أو يَومَينِ، أي: ثمَّ ارجِعْ إلى مكَّةَ، ولكنْ وقَع قدَرُ اللهِ، فسار معَهم يَومَينِ، فلمْ يزَلْ على ذلك حتَّى وصَل المَقصِدَ، وأكمَلَ معَ الجَيشِ، وشارَكَ في المَعركةِ، فقتَلَه اللهُ في وَقْعَةِ بَدْرٍ.
وفي الحَديثِ: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإخْبارِه عنِ الغَيبِ، ووُقوعِه كما أخبَرَ.