باب رجم ماعز بن مالك
حدثنا عبدة بن عبد الله ومحمد بن داود بن صبيح قال عبدة أخبرنا حرمى بن حفص قال حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أن خالد بن اللجلاج حدثه أن اللجلاج أباه أخبره أنه كان قاعدا يعتمل فى السوق فمرت امرأة تحمل صبيا فثار الناس معها وثرت فيمن ثار فانتهيت إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول « من أبو هذا معك ». فسكتت فقال شاب حذوها أنا أبوه يا رسول الله. فأقبل عليها فقال « من أبو هذا معك ». قال الفتى أنا أبوه يا رسول الله. فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا ما علمنا إلا خيرا. فقال له النبى -صلى الله عليه وسلم- « أحصنت ». قال نعم. فأمر به فرجم. قال فخرجنا به فحفرنا له حتى أمكنا ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ فجاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- فقلنا هذا جاء يسأل عن الخبيث. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لهو أطيب عند الله من ريح المسك ». فإذا هو أبوه فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه وما أدرى قال والصلاة عليه أم لا. وهذا حديث عبدة وهو أتم.
للصيام فضائل عظيمة، وكرامة الله للصائمين لا تنقطع؛ فإنهم حرموا أنفسهم الطعام والشراب والشهوة، فأعطاهم الله سبحانه وتعالى من واسع عطائه، وفضلهم على غيرهم
وفي هذا الحديث يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال: «كل عمل ابن آدم له»، أي: فيه حظ ومدخل لاطلاع الناس عليه؛ فقد يتعجل به ثوابا من الناس، ويحوز به حظا من الدنيا، إلا الصيام؛ فإنه خالص لي، لا يعلم ثوابه المترتب عليه غيري، «وأنا أجزي به»، أي: أتولى جزاءه، وأنفرد بعلم مقدار ثوابه، وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات، فقد اطلع عليها بعض الناس؛ فالأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمئة، إلى ما شاء الله، إلا الصيام؛ فإن الله يثيب عليه بغير تقدير، كما جاء في رواية صحيح مسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به»، ولما كان ثواب الصيام لا يحصيه إلا الله تعالى، لم يكله تعالى إلى ملائكته، بل تولى جزاءه تعالى بنفسه، والله تعالى إذا تولى شيئا بنفسه دل على عظم ذلك الشيء وخطر قدره
ثم أخبر أن الصيام جنة، يعني: وقاية وحصن حصين من المعاصي والآثام في الدنيا، ومن النار في الآخرة.
ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائم عن الرفث، وهو الفحش في الكلام، وكذا نهاه عن الصخب، وهو الصياح والخصام، فإن شتمه أحد أو قاتله، فليقل له بلسانه: «إني امرؤ صائم»؛ ليكف خصمه عنه، أو يستشعر ذلك بقلبه؛ ليكف هو عن خصمه. والمراد بالنهي عن ذلك تأكيده حالة الصوم، وإلا فغير الصائم منهي عن ذلك أيضا.
ثم أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «والذي نفس محمد بيده»، أي: يقسم بالله الذي روحه بيده؛ وذلك لأن الله عز وجل هو الذي يملك الأنفس، وكثيرا ما كان يقسم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القسم، «لخلوف»، أي: تغير رائحة فم الصائم -لخلاء معدته من الطعام- أطيب وأزكى عند الله تعالى يوم القيامة من ريح المسك الذي هو أطيب الروائح، وفيه إشارة إلى أن رتبة الصوم علية على غيره؛ لأن مقام العندية في حضرة الله تعالى من أعلى المقامات. وإنما كان الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك؛ لأن الصوم من أعمال السر التي بين الله تعالى وبين عبده، ولا يطلع على صحته غيره، فجعل الله رائحة صومه تنم عليه في الحشر بين الناس، وفي ذلك إثبات الكرامة والثناء الحسن له
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن للصائم الذي قام بحقوق الصوم، فأداه بواجباته ومستحباته؛ فرحتين عظيمتين: إحداهما في الدنيا، والأخرى في الآخرة؛ أما الأولى: فإنه إذا أفطر فرح بفطره، أي: لزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح الطبيعي، أو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته. وفرح كل أحد بحسبه؛ لاختلاف مقامات الناس في ذلك. وأما الثانية: فإنه إذا لقي ربه فرح بصومه، يعني أنه يفرح وقت لقاء ربه بنيل الجزاء، أو الفوز باللقاء، أو هو السرور بقبول صومه، وترتب الجزاء الوافر عليه.
والصائم الكامل صومه هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش، وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعا صالحا، وكذلك أعماله، هذا هو الصوم المشروع، لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب؛ ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل؛ فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»، وفي سنن ابن ماجه: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع»؛ فالصوم الحقيقي هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده، فهكذا الآثام تقطع ثوابه، وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم
وفي الحديث: حض الصائم على ترك المنكرات والمحرمات.
وفيه: إثبات صفة اليد لله تعالى على ما يليق بجلاله.
وفيه: إثبات صفة الكلام لله تعالى، وأنه يتكلم حيث يشاء، ويكلم من يشاء بما يشاء، وأن كلامه ليس خاصا بالقرآن الكريم.
وفيه: أن العبادات تتفاوت من حيث الثواب.
وفيه: مشروعية القسم لتأكيد الكلام وإن كان السامع غير منكر.
وفيه: أن من عبد الله تعالى وطلب رضاه في الدنيا، فنشأ من عمله آثار مكروهة في الدنيا؛ فإنها محبوبة له تعالى وطيبة عنده؛ لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته.