باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته 1

بطاقات دعوية

باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته 1

 عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:
جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي [شيئا 2/ 115] غير تمرة واحدة فأعطيتها [إياها]، فقسمتها بين ابنتيها، [ولم تأكل منها]، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم -[علينا]، فحدثته، فقال:
"من يلي من هذه البنات شيئا، فأحسن إليهن؛ كن له سترا من النار".

جاء الإسلامُ باجتِثاثِ عاداتِ الجاهليَّةِ المنكَرةِ، ومِن ذلك أنَّه أَوْصَى بالبَناتِ مِن الذُّرِّيَّةِ، وحرَّمَ وأْدَهنَّ وقَتْلَهنَّ، وبَذَرَ في قُلوبِ أَتْباعِه الموَدَّةَ والرَّحمةَ لهنَّ، ووعَد على الإحْسانِ إليهِنَّ وتَربيتِهنَّ الخيرَ كُلَّه.
وفي هذا الحديثِ تَروي أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ امرأةً دخلَتْ عليها ومعها ابنتانِ لها تسأَلُها حاجةً مِن الصدَقةِ، فلمْ تجِدْ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها إلَّا تمرةً، فتصدَّقت بها، فقسَمَتْها المرأةُ بيْنَ ابنتَيْها ولم تأكُلْ هي منها، فحكَتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما حدَث، فبَيَّن لها أنَّ مَن قُدِّر له ووهَب اللهُ له شَيئًا مِن البَناتِ، فأحسَنَ إليهنَّ بالكَفالةِ والقِيامِ بحُقوقِهنَّ وتأديبهنَّ ونحوِ ذلك- كُنَّ له سِترًا مِن النَّار؛ لأنَّه يَسترُهنَّ في الدُّنيا بإحسانِه إليهِنَّ، وبسببِ تَربيَتِهِنَّ، فيَستُرُه اللهُ؛ جِزاءً وِفاقًا، وسُمِّيت هِبةُ الإناث ابتِلاءً؛ لِمَا في كَفالتِهنَّ مِن المشقَّةِ والتَّعَبِ، أو لِكُرْهِ الناسِ عادةً لَهُنَّ، ولأنَّه يَغلِبُ ألَّا يَكُنَّ مَورِدَ كَسبٍ وعَيشٍ، فالابتِلاءُ بمَعنى الاختِبارِ، ومَعناه: مَنِ اختُبِرَ بشَيءٍ مِنَ البَناتِ؛ لِيُنظَرَ ما يَفعَلُ: أيُحسِنُ إليهِنَّ أمْ يُسيءُ.
قيل: يُريدُ بهذا أنَّ أجْرَ القِيامِ على البَناتِ أعْظَمُ من أَجْرِ القِيامِ على البَنينَ؛ إذْ لم يذْكُرْ مِثْلَ ذلك في حَقِّهِم؛ وذلك -واللهُ أعْلَمُ- لأجْلِ أنَّ مُؤْنةَ البَناتِ والاهتمامَ بأُمورِهِنَّ أعظَمُ مِن أُمورِ البَنينَ؛ لأنَّهن عَوْراتٌ لا يُباشِرْنَ أُمورَهُنَّ، ولا يَتصَرَّفْنَ تصَرُّفَ البَنينَ، وكذلك لأنَّهن لا يَتعلَّقُ بهنَّ طَمَعُ الأبِ أو الأخِ بالاسْتِقْواءِ بِهِنُّ على الأعْداءِ، وإحياءِ اسْمِ الآباءِ، واتِّصالِ نَسَبِهِم وغَيرِ ذلك كما يَتعلَّقُ بالذَّكَرِ، فاحْتاجَ ذلك إلى الصَّبرِ والإخْلاصِ مِنَ المُنْفِقِ عليهِنَّ مع حُسْنِ النِّيَّةِ، وهذا ما يُنجيهِ مِن النارِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الصَّدقةِ بما قَلَّ وما جَلَّ.
وفيه: ألَّا يحتقِرَ الإنسانُ ما يَتصدَّقُ به.
وفيه: شدَّةُ حِرصِ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها على الصَّدقةِ.
وفيه: أنَّ النَّفقةَ على البناتِ والسَّعيَ عليهِنَّ مِن أفضلِ أعمالِ البِرِّ المُجنِّبةِ مِن النَّارِ.