باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة
بطاقات دعوية
عن جابرِ بن عبدِ الله رضي الله عنهما قال: أَتى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبدَ الله بن أُبَيٍّ بعدَ ما أُدْخِلَ حُفرتَهُ، (وفي روايةٍ: قبرَه) فأَمرَ بهِ فأُخرجَ فوضَعهُ على رُكْبتَيهِ، ونفَثَ عليهِ من ريقِهِ، وأَلبسَهُ قميصَهُ، فالله أَعلمُ، وكانَ كسَا عبَّاساً قميصاً.
للشُّهداءِ مَكانةٌ عظيمةٌ عندَ اللهِ سُبحانَه وتعالَى، وكان لِشُهداءِ أُحُدٍ موقعٌ عَظيمٌ في نَفْسِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفي نُفوسِ المُسلِمينَ، وكان لهم عِندَ اللهِ تعالَى كَراماتٌ بعدَ مماتِهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا حضَر وقتُ غَزوةِ أُحُدٍ -وكانت في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجْرةِ، وأُحُدٌ جَبَلٌ مَشهورٌ مِن جبالِ المدينةِ- استَدْعاه أبوه عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ حَرامٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن اللَّيلِ؛ فقال: ما أُرانِي إلَّا مَقْتولًا في أوَّلِ مَن يُقتَلُ مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قيل: إنَّ سَببَ ظنِّه ذلك رُؤْيا رآها في مَنامِه، وإنِّي لا أَترُكُ بعدِي أعزَّ علَيَّ مِنك غَيْرَ نَفْسِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا التَّفضيلُ لِلنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بابِ حبِّه أكثرَ مِن المالِ والولدِ، ثُمَّ أَوْصاه وأَعْلَمَه بما عليه مِن الدُّيونِ، وأمَرَه أن يَقضيَها عنه، وهذا مِن دَأْبِ الصَّالحين، فمِمَّا لا بُدَّ منه لِمَن شَعَرَ بقُربِ أَجَلِه أن يُوضِّحَ ما عليه مِن حُقوقٍ للنَّاسِ، ويُوصِيَ بقضائِها. ثُمَّ أَوْصاه بأخَواتِه البَناتِ، وأن يَقومَ على رعايتِهنَّ؛ قيل: إنَّ جابرًا رَضيَ اللهُ عنه كان له تِسعُ أخَواتٍ، وقيل غيرُ ذلك.
قال جابرٌ: فأصبَحْنا، ويَقصِدُ يومَ المعركةِ، فكان عبدُ اللهِ بنُ حَرَامٍ أوَّلَ قَتِيلٍ في غزوةِ أُحُدٍ، ودُفِن معه رجُلٌ آخَرُ في قبرٍ واحدٍ، قيل: هو عَمرُو بنُ الجَمُوحِ رَضيَ اللهُ عنه، وكان صَدِيقَ والدِه، ولكنَّ جابرًا لم تَسْتَرِحْ نفْسُه ولم يَستقِرَّ قلبُه أن يَكونَ أبوه مدفونًا مع غيرِه في قبرٍ واحدٍ، فاستَخرَجَه مِن قَبرِه بعْدَ سِتَّةِ أشهُرٍ، وكان إخراجُه مِن قَبرِه بعِلْمِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإذْنِه، فلم جابرٌ يَجِدْ تغيُّرًا في جسَدِ أبيه عبدِ اللهِ بعْدَ مُرورِ سِتَّةِ أشهُرٍ على دَفنِه، غيرَ موضعٍ صَغيرٍ عندَ أُذُنِه قد تغيَّر، وهذا مِن كَراماتِ اللهِ له.
وفي الحَديثِ: قوَّةُ إيمانِ عبدِ اللهِ بنِ حَرامٍ؛ وبيانُ شِدَّةِ حُبِّه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إذ لم يُقدِّمْ على محبَّتِه أحدًا ولو كان ابنَه.
وفيه: مَشروعيَّةُ جمعِ الرجُلَينِ في القَبرِ الواحِدِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ إخراجِ المَيتِ بعْدَما يُدفَنُ، إذا كان لسَببٍ.
وفيه: بَيانُ بعضِ كَراماتِ عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ حَرامٍ رَضيَ اللهُ عنه، وحِفظِ اللهِ لجسَدِه بعدَ موتِه.