باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره
بطاقات دعوية
عن أبي موسى قالَ: سُئِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن أشياءَ كرِهَها؟ فلمَّا أَكثر [وا ] عليهِ [المسألةَ] غضِبَ، ثم قالَ للناسِ: " سَلُوني عمَّا شئتُمْ". قالَ رجلٌ: [يا رسولَ اللهِ!] مَنْ أَبي؟ قالَ: " أبوكَ حُذَافةُ". فقامَ آخَرُ فقالَ: مَنْ أَبي يا رسولَ اللهِ؟ فقالَ: "أبوكَ سالمٌ مَوْلى شَيْبَةَ". فلمَّا رأَى عمرُ ما في وَجههِ [من الغضب] قالَ: يا رسولَ اللهِ! إِنَّا نتُوبُ إِلى اللهِ عز وجل.
أمَرَ الشَّرعُ المُطهَّرُ بفِعلِ ما في الاستِطاعةِ، والاجْتِنابِ التَّامِّ للنَّواهي الشرعيَّةِ، وأمَرَ بالوقوفِ عندَ تَوْجيهاتِ اللهِ ورَسولِه، وعدَمِ تَخَطِّيها، وعدَمِ الإكثارِ مِن السُّؤالِ عن الأشياءِ التي لا تُفيدُ مَعرفتُها.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو مُوسَى الأشعريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُئِل عن أشياءَ كرِهَ السُّؤالَ عنها؛ لعدَمِ فائدتِها دِينيًّا ودُنيويًّا، أو قدْ تَنجُمُ عنها مَضرَّةٌ للسَّائلِ أو لغيرِه، فلمَّا أكثَرَ النَّاسُ عليه مِن هذه الأسئلةِ قال لهم: سَلُوني عمَّا شِئتُم، فسُئِل صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن رجُلينِ أرادا أنْ يَتأكَّدَا مِن صِحَّةِ نَسبِهما مِن أبيهما، فأجابَهُما النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بصحَّةِ هذا النَّسَبِ، فلمَّا رَأى عمرُ رَضيَ اللهُ عنه ما في وَجْهِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الغضَبِ، عرَفَ أنَّ هذه الأسئلةَ ما كان يَنْبغي أنْ تُسأَلَ، فأقْبَلَ على النبيِّ يُهدِّئُ مِن غَضَبِه، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّنا نَتوبُ إلى اللهِ مِن هذه الأسئلةِ الَّتي أغضبَتْك، حيث كانتْ هذه الأسئلةُ ممَّا لا يَرْضاه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولأنَّ كَثرةَ هذه الأسئلةِ رُبَّمَا تكون سَبَبَ تَحْريمِ شَيءٍ أو وُجوبِه أو التَّشديدِ فيه، وقد ثَبَتَ فِي التَّنْزِيلِ قَولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].وليس في هذا مَنعٌ للسُّؤالِ عمَّا يُحتاجُ إليه مِن أُمورِ الدِّينِ، وإنَّما هو تَوجيهٌ للتَّوقُّفِ عندَ أوامرِ اللهِ ونَواهيهِ، وعدَمِ تَكلُّفِ الأسئلةِ فيما لا يُحتاجُ إليه.وفي الحديثِ: أنَّ مِن حقِّ العالِمِ أنْ يَغضَبَ على السَّائلِ إذا سأَلَ عمَّا فيه مَضرَّةٌ، أو لا يَتناسَبُ مع الموضوعِ.وفيه: النَّهيُ عن كَثرةِ السُّؤالِ والتَّعنُّتِ فيه، وأنَّه لا يُسأَلُ إلَّا فيما يُحتاجُ إليه.وفيه: بيانُ فضْلِ عمرَ رَضيَ اللهُ عنه، ودِقَّةِ مُلاحظتِه.