باب صب النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءه على المغمى عليه
بطاقات دعوية
عن جابرٍ قال: جاء [ني ] رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعُودُني [ليس براكبِ بغلٍ، ولا بِرذون] وأنا مريضٌ، (وفي روايةٍ: عادني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر في بني سَلمَة ماشِيَيْن، فوجدني النبي - صلى الله عليه وسلم -) لا أعقِلُ [فدعا بماءٍ]، فتوضأَ [منه] وصبَّ (وفي روايةٍ: نَضَحَ ) عليَّ من وَضوئِه، فعَقَلْتُ، (وفي رواية: فأفَقْتُ)، فقلتُ: يا رسولَ الله! لِمَنِ المِيراثُ؟ إنما يَرِثُني كَلاَلةٌ (وفي روايةٍ: إنما لي أخوات)، فنزَلتْ آيةُ الفرائضِ. (وفي الرواية الأخرى: ثم رشَّ عليَّ فأفقت، [فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم -]، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ [كيفَ أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء]، فنزلت: {يوصيكم الله في أَولاَدِكُمْ}).
حَثَّ الإسلامُ أتباعَه أنْ يَكونوا كالجَسَدِ الواحدِ، فإذا مَرِضَ أحَدٌ عادُوه وسارَعوا في حاجَتِه.
وفي هذا الحَديثِ يحكي جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه مَرِضَ ذاتَ مرةٍ، فأتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يزوره، ومعه أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه، وكانا يمشيانِ على أقدامِهما، وكان هذا في عامِ حَجَّةِ الوَداعِ في العامِ العاشِرِ مِنَ الهِجرةِ، فوجداه قد أُغشِيَ عليه لا يَعقِلُ شيئًا من شِدَّةِ المرَضِ، فَتَوضَّأَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ صَبَّ الماءَ الَّذي تَوَضَّأَ بِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فأفاق مِن ذلك الإغْماءِ. فوجد رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسأله جابرٌ رَضِيَ اللهُ عنه: يا رَسولَ اللهِ، كَيفَ أَصنَع في مالي؟ كَيفَ أَقْضي في مالي؟ يعني: مالَه الذي سيُخلِّفُه من وَرائِه عندَ مَوتِه.
فلَمْ يُجِبْه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِشَيءٍ حَتَّى نَزَلَت آيةُ الميراثِ، وهي قَولُه تَعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]، ومعنى الآية: يَسألُك أصحابُك أن تُبيِّنَ لهم الحُكمَ الشَّرعيَّ في توريثِ الكَلالةِ، وهو مَن مات وليس له ولدٌ ولا والدٌ يَرِثُه، فقُلْ لهم يا محمَّدُ: إنَّ اللهَ تعالى هو الذي يُفتيكم في ذلك؛ إذا مات شخصٌ ولم يترُكْ والدًا ولا أولادًا -لا مِن الذُّكورِ ولا الإناثِ- وترَكَ أختًا شقيقةً أو لأبٍ؛ فإنَّ نَصيبَها من الميراثِ في هذه الحالةِ هو النِّصفُ، فإذا ماتت الأختُ قبل أخيها ولم يكُن لها ولدٌ -ذَكرًا كان أو أُنثى- ولا والدٌ يَرثانِها؛ وَرِثَ مالَها كلَّه، فإنْ كان معه صاحِبُ فرضٍ -كزَوجٍ- أَخَذ فَرْضَه، وما بقِي فلأخِيها.
ثم ذكَر صُورتينِ أُخرَيَينِ، فقال: فإنْ كانتَا أُختَينِ فأَكْثَرَ، فإنَّ لهما ثُلُثَيْ ما يَترُك أخوهما، وإنْ كان الوَرَثةُ لهذا الأخِ المتوَفَّى إخوةً، سواٌء كانوا ذكورًا وإناثًا، فيأخُذُ الذَّكَرُ مِثْلَ نَصيبِ اثنَتَينِ مِن الأخواتِ، يُبيِّنُ اللهُ أحكامَه للنَّاسِ؛ حتى لا يَضِلُّوا، واللهُ بكلِّ شيءٍ عليمٌ.
وَجابِرٌ رَضِيَ اللهُ عنه لَم يَكُن لَه ولَدٌ ولا والِدٌ، فَأَبوه قدْ قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ عيادةِ الأَكابِرِ الأَصاغِرَ.
وَفيه: رَحْمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحُبُّه لِأصْحابِه.
وَفيه: فَضيلةُ جابِر رَضِيَ اللهُ عنه في حِرْصِه على كَيفيَّةِ التَّصرُّفِ في مالِه قَبلَ مَوتِه.