[باب] {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين}
بطاقات دعوية
عن محمد بن عباد بن جعفر أن ابن عباس قرأ: {ألا إنهم تثنوني صدورهم}. قلت: يا أبا العباس! ما {تثنوني (85) صدورهم}؟ قال: كان الرجل يجامع امرأته فيستحي، أو يتخلى فيستحي، فنزلت: {ألا إنهم يثنون صدورهم} (ومن طريق عمرو: {ألا إنهم يثنون (86) صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم}).
اللهُ سُبحانه تعالَى لا يَخفَى عليه شَيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ، والسِّرُّ عِندَه كالعَلانيةِ؛ فهو عالمٌ بما تَنطوي عليه الضَّمائرُ وما يُعلَنُ وما يُسَرُّ به.
وفي هذا الحديثِ يذكُرُ التابعيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ: أنَّه سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما يقرأُ قَولَ اللهِ عزَّ وجَلَّ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5]، هكذا: (ألَا إنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ)، ولا يقرأُ بها في الصَّلاةِ، ومعناها: جَعْلُ الفِعلِ للصُّدورِ، أي: تَنْثَني وتنعَطِفُ.
قال ابنُ عَبَّادٍ: فسَألْتُه عن مَعناها، فقال لي ابنُ عباس: أُناسٌ كانوا يَسْتَحيون أنْ يَتخلَّوْا، يعني: يَذْهَبوا إلى الخلاءِ لقضاءِ حاجتِهم وهمْ عُراةٌ ليْس عليهم ثِيابٌ، «فيُفضوا»، أي: تَظهرَ عَورتُهم في الفضاءِ ليْس بيْنها وبيْن السَّماءِ شَيءٌ، وأنْ يُجامِعوا نِساءَهم ويُباشِروهنَّ فيُفضوا إلى السَّماءِ، يعني: فتَظهَرَ عَوراتُهم ويُكشَفون، فيَميلوا صُدورَهم ويُغطُّون رُؤوسَهم مُستخفِين، فنَزَلتْ هذه الآيةُ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}؛ ليُعلِمَهم اللهُ أنَّه يَعلمُ ما يُسرُّون وما يُعلِنون.
وقيل: نزلت الآيةُ في المنافقين، والمرادُ: بَيانُ ضَعفِ إيمانِهم، ومَرَضِ قُلوبِهم، فكأنَّهم يَنطَوُون لِيُخفوا ما في أنفُسِهم من نفاقٍ.
وقدْ ورَد عن ابنِ عبَّاسٍ في هذِه الآيةِ قِراءاتٌ أخرى؛ ففي صحيحِ البُخاريِّ: قرأ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قولَه تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [هود: 5]، فقَرَأَ (يَثْنُونَ) بفَتْح الياءِ وسُكونِ الثَّاءِ وضمِّ النونِ، وهي القراءةُ المشهورةُ المتواترة، و{صُدُورَهُمْ} مَنْصوبٌ به.
وفي الحَديثِ: أنَّ ما أباحهُ اللهُ مِن إتيانِ الزَّوجاتِ، وما جَبَل عليه الإنسانَ مِن التغوُّطِ وشَبَهِه؛ ليس في فِعلِه حَياءٌ.