باب قصة وفد طيئ وحديث عدي بن حاتم

بطاقات دعوية

باب قصة وفد طيئ وحديث عدي بن حاتم

 عن عدى بن حاتم قال: أتينا عمر فى وفد، فجعل يدعو رجلا رجلا، ويسميهم، فقلت: أما تعرفنى يا أمير المؤمنين!؟ قال: بلى؛ أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا. فقال عدى: فلا أبالى إذا.

النَّاسُ مَعادِنُ، وخِيارُهم في الجاهِليَّة خِيارُهم في  الإسْلامِ إذا فَقِهوا، وقد كان عَديُّ بنُ حاتِمٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن خِيارِ النَّاسِ في الجاهِليَّةِ، وكان نَصْرانيًّا، فمَنَّ اللهُ عليه بالإسْلامِ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرْجو إسْلامَه؛ لِمَا يَعلَمُه فيه مِن طِيبِ مَعدِنِه.
وفي هذا الحَديثِ تَظهَرُ مَعرِفةُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بفَضْلِ عَديِّ بنِ حاتِمٍ رَضيَ اللهُ عنهما ومَكانَتِه؛ فيَحْكي عَديُّ بنُ حاتِمٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم جاؤوا إلى عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه في وَفدٍ مِن قَومِه قَبيلةِ طيِّئٍ، وذلك في أيَّامِ خِلافةِ عُمَرَ. فجعَلَ عُمَرُ يَدْعو رَجلًا رَجلًا مِن أصْحابِ عَديِّ بنِ حاتِمٍ رَضيَ اللهُ عنه، ويُسمِّيهم بأسْمائِهم، ويَفرِضُ للرَّجلِ منهم منَ العَطايا ألفَيْنِ، ويُؤخِّرُ في ذلك عَديَّ بنَ حاتِمٍ رَضيَ اللهُ عنه، ويُعرِضُ عنه، كما أفادَتْ رِوايةُ أحمَدَ في مُسنَدِه.
فلمَّا رَأى عَديٌّ رَضيَ اللهُ عنه ذلك قال لعُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه: أمَا تَعرِفُني يا أميرَ المؤمِنينَ؟ فقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: «بَلى» أعرِفُكَ، وأعرِفُ فَضلَكَ، ثمَّ جعَلَ يُعدِّدُ مَناقِبَه؛ فإنَّكَ «أسلَمْتَ» فثبَتَّ على إسْلامِكَ حينَما ارتَدَّ العرَبُ بعْدَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «وأقبَلْتَ إذ أدْبَروا، ووفَيْتَ إذ غَدَروا»، يُشيرُ بذلك إلى وَفاءِ عَديٍّ رَضيَ اللهُ عنه بالإسْلامِ، وأنَّه أحْضَرَ صَدَقةَ قَومِه بعْدَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَما منَعَها أكثَرُ العرَبِ.
وفي رِوايةِ أحمَدَ في مُسنَدِه ذكَرَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه: «إنَّما فرَضْتُ لقَومٍ أجحَفَتْ بهمُ الفاقةُ، وهمْ سادةُ عَشائرِهم؛ لمَا يَنوبُهم منَ الحُقوقِ»، فكان الموجِبُ لانصِرافِ عُمَرَ عن عَديٍّ أنَّ عُمَرَ فرَضَ لقَومٍ اشتَدَّ بهمُ الفَقرُ والحاجةُ، وهمْ سادةُ عَشائرِهم، وعليهم حُقوقٌ يُؤدُّونَها.
ولَمَّا عرَفَ عَديٌّ رَضيَ اللهُ عنه سَببَ انصِرافِ عُمَرَ عنه طابَتْ نفْسُه وقال: «فلا أُبالي إذَنْ»، والمَعنى: إذا كانت لي هذه الفَضائلُ وأكْرَمَني اللهُ بهذا السَّبقِ إلى الحقِّ والخَيرِ؛ فلا أُبالي بشَيءٍ بعدَه، ولا يُغيِّرُني قُدِّمتُ على غَيري في المَواطِنِ أم لا.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، وفِطنَتُه، وحُسنُ سياسَتِه، ومَعرِفَتُه بالنَّاسِ.
وفيه: تَفْضيلُ الإمامِ بعضَ النَّاسِ على بعضٍ في العَطايا حَسَبَ حاجَتِهم.
وفيه: التَّرفُّقُ معَ النَّاسِ، وإنْزالُهم مَنازِلَهم.