باب حجة الوداع 1
بطاقات دعوية
عن ابن جريج: حدثنى عطاء عن ابن عباس: إذا طاف بالبيت؛ فقد حل، فقلت: من أين قال هذا ابن عباس؟ قال: من قول الله تعالى: {ثم محلها إلى البيت العتيق}، ومن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يحلوا فى حجة الوداع، فقلت: إنما كان ذلك بعد المعرف (183)، قال: كان ابن عباس يراه قبل وبعد.
إذا اجتَهَدَ المُجتَهِدُ فأصابَ فله أجْرانِ، وإنِ اجتَهَدَ فأخْطأَ فله أجْرٌ واحِدٌ، وعَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما كان مِن أئمَّةِ الصَّحابةِ المُجتَهِدينَ، دَعا له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالفِقْهِ في الدِّينِ، وتَعلُّمِ التَّأويلِ، فصار مِن أَوْعيةِ العِلمِ والفَهمِ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ بَيانُ اجتَهَادِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما في مَسألةِ وَقتِ التَّحلُّلِ مِن الإحْرامِ للحاجِّ، وكان يُفْتي بأنَّ مَن لم يَسُقِ الهَديَ، وأهَلَّ بالحَجِّ؛ فإنَّه إذا طافَ طَوافَ القُدومِ فله أنْ يَتحلَّلَ قبْلَ الوُقوفِ بعَرَفةَ، وقبْلَ إتْمامِ مَناسِكِ حَجِّه، ويَجعَلَها عُمْرةً، كما في رِوايةِ مُسلِمٍ، فقال ابنُ جُرَيجٍ لعَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ: «مِن أينَ قال هذا ابنُ عَبَّاسٍ؟» أي: مِن أينَ استَدَلَّ على هذا الحُكمِ؟ فقال عَطاءٌ: مِن قَولِ اللهِ تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، ومِن أَمْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْحابَه الذين لم يَسُوقوا الهَدْيَ أنْ يَحِلُّوا في حَجَّةِ الوَداعِ، ويَجْعَلوها عُمْرةً، فقال ابنُ جُرَيجٍ: إنَّما كان ذلك بعْدَ المُعَرَّفِ، والمُعرَّفُ: هو الوُقوفُ بعَرَفةَ، قال عَطاءٌ: كان ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما يَرى ذلك قبْلَ الوُقوفِ بعَرَفةَ وبعْدَه.
واجتِهادُ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما مُخالِفٌ لمَذهَبِ العُلَماءِ كافَّةً؛ فإنَّ الحاجَّ لا يَتحلَّلُ بمُجَرَّدِ طَوافِ القُدومِ؛ بلْ لا يَتحلَّلُ حتَّى يَقِفَ بعَرَفاتٍ، ويَرْميَ، ويَحلِقَ، ويَطوفَ طَوافَ الزِّيارةِ، فحينَئذٍ يَحصُلُ التَّحَلُّلانِ، ويَحصُلُ الأوَّلُ باثنَيْنِ مِن هذه الثَّلاثةِ الَّتي هي: رَميُ جَمْرةِ العَقَبةِ، والحَلْقُ، والطَّوافُ.
وأمَّا احْتِجاجُ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما بالآيةِ، فلا دَلالةَ له فيها؛ لأنَّ قَولَه تعالى: {مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، مَعْناه: لا تُنحَرُ إلَّا في الحَرَمِ، وليس فيه تعَرُّضٌ للتَّحلُّلِ مِن الإحْرامِ.
وأمَّا احْتِجاجُه بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَهم في حَجَّةِ الوَداعِ بأنْ يَحِلُّوا، فلا دَلالةَ فيه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَهم بفَسْخِ الحَجِّ إلى العُمْرةِ تَمتُّعًا في تلك السَّنةِ، فلا يكونُ دَليلًا لتَحلُّلِ مَن هو مُتَلبِّسٌ بإحْرامِ الحجِّ.