باب حجة الوداع 2
بطاقات دعوية
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نتحدث بحجة الوداع والنبى - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، ولا ندرى ما حجة الوداع؟ ف [وقف 2/ 192] [بمنى] [يوم النحر بين الجمرات , فى الحجة التي حج , و] حمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال، فأطنب فى ذكره، وقال:
«ما بعث الله من نبى؛ إلا أنذر أمته؛ أنذره نوح، والنبيون من بعده، وإنه يخرج فيكم، فما خفى عليكم من شأنه؛ فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم (ثلاثا)، إن ربكم ليس بأعور، وإنه أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، [أتدرون أى يوم هذا؟». قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: «فإن هذا يوم حرام، أفتدرون أى بلد هذا؟». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «بلد حرام، أفتدرون أى شهر هذا». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «شهر حرام»].
(وفى رواية: "ألا أى شهر تعلمونه أعظم حرمة؟». قالوا ألا شهرنا هذا. قال: «ألا أى بلد تعلمونه أعظم حرمة». قالوا: ألا بلدنا هذا. قال: «ألا أى يوم تعلمونه أعظم حرمة؟». قالوا: ألا يومنا هذا. قال: 8/ 15 - 16)
"ألا إن الله [تبارك وتعالى قد] حرم عليكم دماءكم، وأموالكم [وأعراضكم؛ إلا بحقها]؛ كحرمة يومكم هذا، فى بلدكم هذا، فى شهركم هذا، ألا هل بلغت؟». قالوا نعم. قال: «اللهم! اشهد (ثلاثا). ويلكم -أو: ويحكم! - انظروا؛ لا ترجعوا (وفي رواية: لا ترجعن) بعدى كفارا؛ يضرب بعضكم رقاب بعض".
[617 - وقال: "هذا يوم الحج الأكبر"، فطفق النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم! اشهد"، وودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع]
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحرِصُ على تَعليمِ أصْحابِه وأُمَّتِه كلَّ أنْواعِ الخَيْراتِ؛ ليَتَعرَّضوا لها ويَنتَفِعوا بها، ويُحذِّرُهم مِن الشُّرورِ الَّتي قدْ تُصيبُهم؛ ليَعتَصِموا باللهِ منها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهم كانوا يَذكُرونَ اسمَ حَجَّةِ الوَداعِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَيٌّ بيْنهم، ولا يَدْرونَ المُرادَ بتَسْميةِ الحَجَّةِ الَّتي حَجَّها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ (حَجَّةَ الوَداعِ)؛ وذلك لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان ذكَرَها، فتَحدَّثوا بها، ولكنَّهم ما كانوا يَفهَمونَ المُرادَ مِن الوَداعِ، حتَّى توُفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فعَلِموا عندَ ذلك أنَّه ودَّعَ النَّاسَ بالوَصايا الَّتي أوْصاهم بها في تلك الحَجَّةِ.
ويَذكُرُ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خطَبَ فيهم في هذه الحَجَّةِ، فحَمِدَ اللهَ، وأَثْنى عليه بما هو أهلُه، ثمَّ ذكَرَ المَسيحَ الدَّجَّالَ، فأطالَ في ذِكرِه، والدَّجَّالُ مِنَ الدَّجْلِ، وهو الكَذِبُ، وهو شَخصٌ مِن بَني آدمَ، وظُهورُه مِن العَلاماتِ الكُبْرى ليَومِ القيامةِ، يَبْتَلي اللهُ به عِبادَه، وأقْدَرَه على أشْياءَ مِن مَقْدوراتِ اللهِ تعالَى؛ مِن إحْياءِ المَيِّتِ الَّذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهْرةِ الدُّنْيا والخِصْبِ معَه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهرَيْه، واتِّباعِ كُنوزِ الأرْضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدْرةِ اللهِ تعالَى ومَشيئَتِه.
ومِن ضِمنِ ما أخبَرَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ما بعَثَ اللهُ نَبيًّا إلَّا أنْذَرَ أُمَّتَه، وحذَّرَهم منه ومِن فِتنَتِه؛ فقدْ حذَّرَ نوحٌ قَومَه مِن الدَّجَّالِ، وأيضًا حذَّرَ النَّبيُّونَ مِن بَعدِه قَوْمَهم، وعيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نُوحًا خاصَّةً؛ لأنَّ مَن قَبْلَ نوحٍ هَلَكوا كلُّهم، ولم يَبْقَ إلَّا نوحٌ ومَن آمَنَ معَه، ثمَّ أخبَرَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الدَّجَّالَ يَخرُجُ في هذه الأُمَّةِ المُحمَّديَّةِ عندَ قُربِ يومِ القيامةِ، ويَدَّعي الرُّبوبيَّةَ، وأنَّه إنْ خَفيَ عليهم بعضُ شأنِ الدَّجَّالِ وحالِه، فلا يَخْفى عليهم أنَّ ربَّهم سُبحانه وتعالَى ليس بأعْوَرَ؛ لأنَّها صِفةُ نَقصٍ، ولا تَليقُ به سُبحانَه، وإنَّ الدَّجَّالَ أعْوَرُ العَينِ اليُمْنى، كأنَّ عَيْنَه عِنَبةٌ طافيةٌ، أي: بارِزةٌ، أو ذهَبَ نورُها.
ثمَّ أخبَرَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ سُبحانه حرَّمَ على المُسلِمينَ سَفْكَ الدِّماءِ بغَيرِ حقٍّ، وأكْلَ الأمْوالِ بالباطِلِ، كحُرْمةِ يومِ النَّحْرِ، وحُرْمةِ الشَّهرِ الحَرامِ، وحُرْمةِ مكَّةَ المُكرَّمةِ، وهذا مِن التَّشديدِ والتَّغْليظِ في بَيانِ تَحْريمِ سَفْكِ الدِّماءِ بغَيرِ حقٍّ، وأكْلِ أمْوالِ النَّاسِ بالباطِلِ، ثمَّ أشهَدَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أنَّه قد بلَّغَ عن ربِّه فقال: «أَلَا هل بلَّغْتُ؟ قالوا: نَعمْ، قال: اللَّهمَّ اشهَدْ» أنِّي قدْ بلَّغْتُ رِسالتَكَ، وأدَّيْتُها إلى النَّاسِ، قال ذلك ثَلاثَ مرَّاتٍ.
ثمَّ قال: «وَيْلَكم! -أو وَيْحَكم-» وهما كَلِمتانِ استَعمَلَتْهما العَرَبُ بمَعنى التَّعجُّبِ والتَّوجُّعِ، ثمَّ حذَّرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تَحمِلَهمُ العَداوةُ والبَغْضاءُ فيما بيْنَهم وغيرُ ذلك؛ على اسْتِحلالِ بَعضِهم دِماءَ بَعضٍ، فيَرجِعوا بعْدَه كُفَّارًا يَضرِبُ بعضُهم رِقابَ بعضٍ، أي: لا تَفْعَلوا أفْعالَ الكُفَّارِ الَّذين يَستَبيحونَ دِماءَ بعضِهم، وقيلَ: إنَّ قَتلَ المؤمِنِ واسْتِباحةَ دَمِه بغيرِ وَجهِ حقٍّ أمرٌ يُفْضي إلى الكُفرِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ صِفةِ الدَّجَّالِ وعَظيمِ فِتنَتِه؛ فقدْ أنذَرَه كلُّ النَّبيُّونَ عليهمُ السَّلامُ قَومَهُم.
وفيه: تَأكيدُ تَحْريمِ دِماءِ المُسلِمينَ، وأمْوالِهم، وأعْراضِهم.
وفيه: إثْباتُ أنَّ للهِ تعالَى عَينَينِ كما يَليقُ بجَلالِه وكَمالِه؛ مِن غيرِ تَشبيهٍ، ولا تَمثيلٍ، ولا تَعطيلٍ.