باب إذا كان الثوب ضيقا

بطاقات دعوية

باب إذا كان الثوب ضيقا
عن سعيد بن الحارثِ قالَ: سألنا جابرَ بن عبدِ الله عن الصلاةِ في الثوبِ الواحدِ؟ فقالَ: خرجتُ معَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في بعضِ أسفاره، فجئت ليلةً لِبعضِ أمري، فوجدتُه يصَلي، وعليَّ ثوبٌ واحدٌ، فاشتَملتُ به، وصلَّيَتُ إلى جانبهِ، فلما انصرفَ قالَ: "ما السُّرَى  يا جابرُ! ". فأخبَرتُه بحاجَتي، فلما فرَغتُ قالَ:
"ما هذا الاشتمالُ الذي رَأيت؟ ". قلتُ: كانَ ثوباً، قالَ:
" فإنْ كانَ واسعاَ فالتحِفْ بهِ، وإنْ كانَ ضيِّقاً فاتَّزرْ بهِ".

الصَّلاةُ عِبادةٌ رُوحيَّةٌ، وفيها يقِفُ العبدُ بيْن يَدَيْ ربِّه، ويَنبَغي أنْ يَستُرَ جَسَدَه وعَوْرتَه، وأنْ يكونَ بهَيْئةٍ تَليقُ بجَلالِ اللهِ سُبحانَه، وقد بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَجوزُ في الصَّلاةِ وما لا يَجوزُ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التابعيُّ سعيدُ بنُ الحارثِ أنَّهم سألوا جابرَ بنَ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما عن حُكمِ الصَّلاةِ في الثَّوبِ الواحدِ، فأجابَهم جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه بما وقَعَ له مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو أنَّه خَرَجَ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفرٍ مِن بعضِ أَسفارِه، وهو غَزوةُ بُوَاطَ -كما ثبَتَ تعيينُها في صحيحِ مسلِمٍ- وبُواطُ هي جِبالُ جُهَيْنةَ، وبيْنَ بُواطَ والمَدينةِ قُرابةُ 36 مِيلًا، وهذه الغَزوةُ مِن أوائلِ مَغازِيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فذَهَب جابرٌ لَيْلًا لأجْلِ بعضِ حوائجِه، فوَجَد النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائمًا يُصلِّي، وكان على جابرٍ ثَوبٌ واحدٌ فالْتَحَف به لضِيقِه، ووضَعَ طَرَفَيْهِ على عاتِقَيهِ، وصلَّى مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.فلمَّا انْتهَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الصَّلاةِ سَأل جابرًا عن سَببِ سَيرِه باللَّيلِ، وإنَّما سألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعِلمِه بأنَّ الحامِلَ له على المَجيءِ في اللَّيلِ أمرٌ أكيدٌ، فأخبَرَه جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه بحاجتِه، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما هذا الاشتِمالُ الذي رأيتُ؟!»، وهذا استِفهامُ إنكارٍ، وسببُ الإنكارِ أنَّ الثوبَ كان ضيِّقًا، وأنَّه خالَفَ بيْن طرَفيهِ، فكأنَّه عِندَ المخالفةِ بيْن طرَفَيِ الثَّوبِ لم يَصِر ساترًا، فأجابَه جابرٌ أنَّه كان عليه ثَوْبٌ واحدٌ قد ضاقَ فاشتمَلَ به، فأعْلَمَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ محلَّ ذلِك الاشتِمالِ إذا كان الثَّوبُ واسعًا فيَلْتحِفُ به بأنْ يأْتَزِرَ بأحدِ طَرَفيهِ ويَرتديَ بالطَّرَفِ الآخَرِ منه، وأمَّا إذا كان ضيِّقًا فإنَّه يَجزيه أنْ يتَّزِرَ به؛ لأنَّ المقصودَ هو سَتْرُ العَورةِ، وهو يَحصُلُ بالاتِّزارِ فقطْ إذا كان الثَّوبُ ضيِّقًا.