باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها
بطاقات دعوية
عن عائشةَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في خَمِيصةٍ لها أعلامٌ، فنظَرَ إلى أعلامِها نظرةً، فلما انصرَفَ قالَ:
" اذهَبُوا بِخَميصَتي هذهِ إلى أبي جَهْمٍ، وائْتُوني بأَنبجانِيَّةِ أبي جَهْم [بن حذيفةَ بن غانم من بني عدي بن كعب] فإَنها ألْهَتْني آنفاً عن صلاتي". (وفي روايةٍ: "شَغَلتني أعلامُ هذه" ).
- (وفي روايةٍ معلقةٍ): (كنتُ أنظرُ إلى علَمِها وأنا في الصلاةِ، فأخاف أنْ تَفْتِنَني".
الصَّلاةُ عِبادةٌ رُوحيَّةٌ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يَدَيْ ربِّه سبحانه وتعالى، ويَلزَمُ فيها الخشوعُ والتدبُّرُ، ويَنبَغي ألَّا يَكونَ للشَّيطانِ فيها نَصيبٌ ولا مَدخَلٌ، وقد علَّمَنا النبيُّ الكريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الهَيْئاتِ المنهيَّ عنها في الصَّلاةِ، كما علَّمَنا كَيفيَّةَ تَجويدِها، ونَهى عن كلِّ ما يَشغَلُ المصلِّيَ في صَلاتِه.
وفي هذا الحديثِ تَحكي عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى يَومًا وهو يَلبَسُ خَميصةً، وهي ثيابٌ تُصنَعُ مِن حريرٍ مَخلوطٍ بوَبرٍ أو صُوفٍ فيه أعلامٌ سَوداءُ، ومُزَخرَفٌ بخُطوطٍ جميلةٍ، وقيل: لا تُسمَّى خميصةً إلَّا أنْ تكونَ سَوداءَ مُعلَّمةً، فنظَر إلى أعلامِها نظرةً فكادتْ أن تَشغَلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صَلاتِه، فلمَّا انتهى مِن صَلاتِه قال: «اذْهَبوا بخَميصَتي هذِه إلى أبي جَهمٍ، وأْتُوني بأَنْبِجانيَّةِ أبي جَهمٍ؛ فإنَّها ألهَتْنِي آنِفًا عن صَلاتي»، والأَنْبِجانيَّةُ هي كِساءٌ يُتَّخذُ مِن الصُّوفِ، وهو خَمْلٌ ولا عَلَمَ له. وقد كان أبو جَهمِ بنُ حُذيفةَ رَضيَ اللهُ عنه أهْدَى هذِه الخَميصةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فرَدَّها إليه، وطلَب منه عِوَضًا عنها كِساءً له غليظًا؛ تَطييبًا لقلبِه، حتَّى لا يَحصُلَ له انكسارٌ بردِّ هديَّتِه عليه؛ ولذلك أعْلَمَه بسببِ الردِّ، وفيه تحذيرٌ لأبي جَهْمٍ مِن أن يَشتغِلَ بها أو بغَيرِها عن صلاتِه أيضًا.
وفي الحديث: التباعُدُ عن الأسبابِ المُلهيةِ عن الصَّلاةِ.
وفيه: بيانُ حُسنِ مُعامَلةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه، ومُواساتِه لهم.