باب الصوم آخر الشهر
بطاقات دعوية
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأله أو سأل رجلا وعمران يسمع فقال:
"يا أبا فلان! أما صمت سرر (54) هذا الشهر؟ ". قال: أظنه قال: يعني رمضان. قال الرجل: لا يا رسول الله، قال:
"فإذا أفطرت (55) فصم يومين (56) ". لم يقل الصلت: أظنه يعني رمضان.
(316 - وفي رواية: من سرر شعبان)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكثِرُ مِن الصَّومِ في شَهْرِ شَعبانَ، وكان يَحُثُّ أصحابَه على الصِّيامِ فيه.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي الصَّحابيُّ عِمرانُ بنُ حُصَينٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سأَلَه -أو سَأَلَ رجلًا آخَرَ غيرَه وعِمرانُ يَسمَعُ، الشَّكُّ مِن مُطرِّفِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ؛ أحدِ رُواةِ الحديثِ-: يا أبا فُلانٍ، صُمْتَ سَرَرَ هذا الشَّهرِ؟ أي: آخِرَ الشَّهرِ، وسُمِّي بذلك لاسْتِسرارِ القَمرِ فيها، أي: استتارِه، وهي لَيلةُ الثَّامنِ والعِشرينَ والتاسع والعِشرين، والثَّلاثينَ إذا كان الشَّهرُ كاملًا، وقيل: سَرَرُ الشَّهرِ هي وَسْطُ الشَّهرِ؛ فالسَّررُ جمْعُ سُرَّةٍ، وسُرَّةُ الشَّيءِ وَسْطُه، فالمرادُ الأيَّامُ البِيضُ: الثالثَ عشَرَ، والرابعَ عشَرَ، والخامسَ عشَرَ.
فأمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَضائِها بعْدَ عِيدِ الفطرِ وانتهاءِ صَومِ رمَضانَ؛ لتَستمِرَّ مُحافظَتُه على ما واظَبَ عليه مِن العِبادةِ؛ لأنَّ أحبَّ العمَلِ إلى اللهِ تعالَى ما داوَمَ عليه صاحبُه.
قال أبو النُّعمانِ محمَّدُ بنُ الفضْلِ السَّدوسيُّ -راوي الحَديثِ-: «أظُنُّه قال: يَعْني رَمَضانَ»، وذِكرُ رَمَضانَ هنا وَهَمٌ؛ لأنَّ رَمَضانَ يَتعيَّنُ صَومُ جَميعِه، أو يَحتمِلُ أنْ يكونَ قولُه: «يَعني رَمَضانَ» ظَرْفًا للقولِ الصادرِ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا لصِيامِ المُخاطَبِ بذلك، فيُوافِقُ رِوايةَ مُسلمٍ: «فقال له: فإذا أفطَرْتَ مِن رَمَضانَ فصُمْ يَومينِ مَكانَه»؛ فالسُّؤالُ عن صِيامِ سَرَرِ شَعبانَ. وإذا كان المقصودُ بسَرَرِ الشَّهرِ الأيَّامَ الأخيرةَ منه، يكونُ هذا الحَديثُ مُخالفًا للأحاديثِ الصَّحيحةِ في النَّهيِ عن تَقدُّمِ رَمَضانَ بصَومِ يومٍ أو يَومينِ، ويُجابُ عن ذلك: بأنَّ هذا الرَّجلَ كان مُعتادَ الصِّيامِ آخِرَ الشَّهرِ، أو نَذَرَه، فتَرَكَه لخَوِفه مِن الدُّخولِ في النَّهيِ عن تَقدُّمِ رَمَضانِ، فبيَّنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الصَّومَ المُعتادَ لا يَدخُلُ في النَّهيِ، وإنَّما نَهى عن غَيرِ المُعتادِ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ قَضاءِ صَومِ التَّطوُّعِ.
وفيه: تَعاهُدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه بالنُّصحِ والحَثِّ على الطَّاعاتِ.