باب صيام أيام التشريق
بطاقات دعوية
عن عائشة وعن ابن عمر رضي الله عنهم قالا:
لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن؛ إلا لمن لم يجد الهدي.
وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة؛ فإن لم يجد هديا ولم يصم؛ صام أيام منى.
وعن عائشة مثله
أيَّامُ التَّشريقِ هي الحادي عَشَرَ والثَّاني عَشَرَ والثَّالثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذي الحِجَّةِ، وهي مِن الأيَّامِ التي أنْعَمَ اللهُ سُبْحانَه وتعالَى بها على المسلِمينَ، فجَعَلَها عيدًا لَهُم.
وفي هذا الحديثِ تَروي عائشةُ وابنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يُرخِّصْ لأحدٍ مِن الحَجيجِ في صِيامِ أيَّامِ التَّشريقِ -وهي الثَّلاثةُ الأيَّامُ الَّتي تَلِي يومَ النَّحرِ- إلَّا لِمَن لم يَجدِ الهَدْيَ، أي: لم يَأذَنْ في صِيامِها إلَّا لِمُتمتِّعٍ أو قارنٍ لم يَقدِرْ على هَدْيِ النُّسُكِ -أي: لم يَجِدْه في الحرَمِ؛ إمَّا لعَدَمِ الهدْيِ، وإمَّا لعَدَمِ ثَمَنِه؛ لكونِه يُباعُ بأكثَرَ مِن ثَمَنِ المِثلِ، وإمَّا لكونِه مَوجودًا لكنَّه لا يَبيعُه صاحبُه؛ ففي كلِّ هذه الصُّورِ يكونُ عادِمًا للهَدْيِ، فيَنتقِلُ إلى الصَّومِ، سواءٌ كان واجِدًا لثَمَنِه في بَلَدِه أمْ لا- فإنَّ له أنْ يَصومَ أيَّامَ التَّشريقِ ضِمنَ الأيَّامِ العشَرةِ التي عليه؛ لقولِه تعالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196]. والهَدْيُ: اسمٌ لِمَا يُهدَى ويُذبَحُ في الحرمِ؛ مِن الإبلِ والبقَرِ والغَنَمِ والمَعْزِ.
وفي النَّهيِ عن صِيامِ هذه الأيَّامِ والأمرِ بالأكْلِ والشُّربِ سِرٌّ حَسَنٌ؛ وهو أنَّ اللهَ تعالَى لمَّا عَلِمَ ما يُلاقي الوافِدون إلى بَيتِه مِن مَشاقِّ السَّفَرِ، وتَعَبِ الإحرامِ، وجِهادِ النُّفوسِ على قَضاءِ المناسكِ؛ شَرَعَ لهم الاستراحةَ عَقِبَ ذلك بالإقامةِ بمِنًى يومَ النَّحرِ وثلاثةَ أيَّامٍ بعْدَه، وأمَرَهُم بالأكلِ فيها مِن لُحومِ الأضاحي؛ فهُمْ في ضِيافةِ اللهِ تعالَى فيها، لُطْفًا مِن اللهِ تعالَى بهم ورَحمةً، وشارَكَهم أيضًا أهلُ الأمصارِ في ذلك؛ لأنَّ أهلَ الأمصارِ شارَكُوهم في النَّصَبِ للهِ تعالَى، والاجتِهادِ في عَشْرِ ذي الحِجَّةِ بالصَّومِ والذِّكرِ، والاجتهادِ في العباداتِ، وفي التَّقرُّبِ إلى اللهِ تعالَى بإراقةِ دِماءِ الأضاحِي، وفي حُصولِ المغفرةِ، فشارَكُوهم في أعيادِهِم، واشتَرَكَ الجميعُ في الراحةِ بالأكْلِ والشُّربِ، فصار المسلِمون كلُّهم في ضِيافةِ اللهِ تعالَى في هذه الأيَّامِ؛ يَأكُلون مِن رِزقِه، ويَشكُرونه على فضْلِه، ولمَّا كان الكريمُ لا يَليقُ به أنْ يُجيعَ أضيافَه نُهُوا عن صِيامِها.
وفي الحديثِ: يُسرُ الشَّريعةِ، وأنَّ المَشقَّةَ تَجلِبُ التَّيسيرَ.