باب: عدد الحصى التي يرمي بها الجمار 1
سنن النسائي
أخبرني إبراهيم بن هارون، قال: حدثنا حاتم بن إسمعيل، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن علي بن حسين، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فقلت: أخبرني عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رمى الجمرة التي عند الشجرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها - حصى الخذف -، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر»
الحجُّ هو الرُّكنُ الخامسُ مِن أركانِ الإسلامِ، وقد بيَّن رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَناسِكَ الحجِّ بأقوالِه وأفعالِه، ونَقَلَها لنا الصَّحابةُ الكِرامُ رَضيَ اللهُ عنهم كما تَعلَّموها منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ التابعيُّ الأعمَشُ سُليمانُ بنُ مِهْرانَ، أنَّه سَمِعَ الحجَّاجَ بنَ يوسُفَ الثَّقَفيَّ واليَ العراقِ في زمَنِ بَني أُميَّةَ يَقولُ على المِنبرِ: «السُّورةُ التي يُذكَرُ فيها البقَرةُ، والسُّورةُ التي يُذكَرُ فيها آلُ عِمرانَ، والسُّورةُ التي يُذكَر فيها النِّساءُ». ولم يَقُل: سُورةُ البقَرةِ، وسُورةُ آلِ عِمرانَ، وسُورةُ النِّساءِ. وفي رِوايةِ النَّسائيِ: «سَمِعتُ الحَجَّاجَ يقولُ: لا تَقولوا: سُورةُ البقرةِ، قُولوا: السُّورةُ التي يُذكَرُ فيها البقرةُ»
فذَكَر الأعمَشُ ما سَمِعَه مِن الحَجَّاجِ لإبراهيمَ النَّخَعيِّ استِيضاحًا للصَّوابِ، ولم يَقصِدِ الأعمشُ الرِّوايةَ عن الحَجَّاجِ؛ فلم يكُنْ بأهلٍ لذلك، وإنَّما أراد أنْ يَحْكِيَ القصَّةَ، ويُوضِّحَ خطَأَ الحَجَّاجِ فيها بما ثَبَتَ عمَّن يُرجَعُ إليه في ذلك، فحدَّثَه إبراهيمُ أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ يَزيدَ أخبَرَه أنَّه حجَّ مع عبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، وكان معه حينَ رَمى جَمْرةَ العَقَبةِ يومَ النَّحرِ، وهو اليومُ العاشرُ مِن ذي الحجَّةِ، وهي الجَمْرةُ الكُبْرى، وتقَعُ في آخِرِ مِنًى تُجاهَ مكَّةَ، وليست مِن مِنًى، بلْ هي حدُّ مِنًى مِن جِهةِ مكَّةَ، قال: «فاسْتَبْطَنَ الوادِيَ»، أي: وقَفَ في وسْطِه، حتَّى إذا حاذَى الشَّجرَةَ وقابَلَها -وهذه الشَّجرةُ لَيست مَوجودةً الآنَ- جاءَها مِن عَرْضِها، فرَمَى الجمْرةَ بسَبْعِ حَصَياتٍ، يقولُ: «اللهُ أكبَرُ» مع كلِّ حَصاةٍ يَرمِيها، وفي رِوايةِ مُسلمٍ: «فقلتُ: يا أبا عبدِ الرَّحمنِ، إنَّ الناسَ يَرْمونها مِن فَوقِها»، فقال: مِن هاهُنا -وأشار إلى بَطْنِ الوادي- قام الذي أُنزِلَت عليه سُورةُ البقَرةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأقسَمَ ابنُ مَسعودٍ على ذلك باللهِ الذي لا إلهَ غيرُه، تَأكيدًا لقَولِه ونَقْلِه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وتَخصيصُ ابنِ مَسعودٍ سُورةَ البَقَرةِ بالذِّكرِ في قَسَمِه دونَ غَيرِها؛ قيل: يُشيرُ إلى إنَّ كَثيرًا مِن أفعالِ الحجِّ مَذكورٌ فيها، فكأنَّه قال: هذا مَقامُ الذي أُنزِلَتْ عليه أحكامُ المَناسِكِ، منبِّهًا بذلك على أنَّ أفعالَ الحجِّ تَوقيفيَّةٌ، وقيل: لطُولِها وعِظَمِ قَدْرِها، وكَثرَةِ ما تَحوي مِن الأحكامِ
ومُرادُ إبراهيمَ النَّخْعيِّ مِن هذا الحَديثِ: قَولُ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: «سُورةُ البَقَرةِ»، ولم يَقُلِ: «السُّورةُ التي ذُكِرَت فيها البقرةُ» كما قال الحَجَّاجُ الثَّقفيُّ؛ ففي هذا رَدٌّ عليه ورفْضٌ لقَولِه ولقولِ مَن قالوا: لَا يُقالُ سُورةُ البقَرةِ، وإنَّما يُقالُ: السُّورةُ التي تُذكَرُ فيها البَقَرةُ
وفي الحديثِ: رَميُ الجِمارِ مِن بَطْنِ الوادِي، والتُكبيِرُ مع كُلِّ حَصاةٍ
وفيه: مَشروعيَّةُ الحَلِفِ لتَأكيدِ الكَلامِ
وفيه: إنكارُ أهلِ العِلمِ على وُلاةِ الأمْرِ بطَريقةٍ مُناسِبةٍ