باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه
بطاقات دعوية
حديث أبي طلحة، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر، خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر، اليوم الثالث، أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم
اختلف الصحابة فيما بينهم في الرأي والاجتهاد، وبقي الدليل من القرآن والسنة هو معيار الصواب والخطأ فيما وقع بينهم من خلاف
وفي هذا الحديث يروي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر، وهو البئر التي ألقي فيها صناديد الكفر من قريش وسادتهم الذين قتلوا في معركة بدر في العام الثاني من الهجرة، بعد أن هزمهم الله عز وجل بأيدي المؤمنين، وخاطبهم صلى الله عليه وسلم بأسمائهم، فنادى كل واحد منهم على حدة بأسمائهم، وأسماء آبائهم، توبيخا لهم، وقد جاء في صحيح مسلم التصريح بأسمائهم: «يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة»، وخص صلى الله عليه وسلم هؤلاء بالخطاب؛ لشدة عنادهم ووطأتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: هل وجدتم ما وعد ربكم من العقاب حقا؟! ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إنهم الآن يسمعون ما أقول»، وهذا إخبار عن إدراكهم وسماعهم قول النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبر عروة بن الزبير أنه ذكر لعائشة رضي الله عنها قول ابن عمر رضي الله عنهما، فأنكرت رواية ابن عمر وقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق»، من التوحيد والإيمان وغيرهما، فنفت عنهم السماع حال كونهم أمواتا في قبورهم، ثم استدلت رضي الله عنها على ذلك بقوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} [النمل: 80]، أرادت بذلك تأكيد ما ذهبت إليه، ومعنى الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمعهم، والذي يسمعهم هو الله تعالى، وما ذكره ابن عمر هو الأقوى والأصح، والآية التي استدلت بها أم المؤمنين عائشة لا تناقض ما ذكره ابن عمر، والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمعهم، ولكن الله أحياهم حتى سمعوا، والعلم لا يمنع من السماع؛ وذلك أنهم لا يسمعهم وهم موتى، ولكن الله أحياهم حتى سمعوا، وإذا جاز أن يكونوا في هذه الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين