باب: غزوة الرقاع
بطاقات دعوية
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه قال فنقبت أقدامنا فنقبت قدماي وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق قال أبو بردة فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك قال كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه ... وفي رواية والله يجزي به. (م 5/ 200
هذا الحَديثُ يُظهِرُ ما كان عليه المُسلِمونَ مِن ضَعفِ العُدَّةِ والعَتادِ؛ فلم يَنتَصِروا على عَدوِّهم بعَددٍ ولا عُدَّةٍ، وإنَّما انتَصَروا بإيمانٍ استَقرَّ في قُلوبِهم؛ فيُخبِرُ أبو مُوسى الأشْعَريُّ رَضيَ اللهُ عنه بأنَّهم خَرَجوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في إحْدى الغَزَواتِ، وكان ضِمْنَ ستَّةِ أشخاصٍ بيْنَهم بَعيرٌ يَعْتَقِبونَه، أي: يَركَبُه كلُّ واحدٍ منهم مرَّةً، فنَقِبَتْ أقْدامُهم مِن كَثرةِ المَشيِ، أي: جُرِحَتْ، ويُخبِرُ أنَّه جُرِحَت قَدماهُ وسَقَطَت أظْفارُه مِن ذلك؛ ولذلك كانوا يَلُفُّونَ على أرْجُلِهم الخِرَقَ حِمايةً لها، وسُمِّيَتْ هذه الغَزْوةُ غَزْوةَ ذاتِ الرِّقاعِ بسَببِ ذلك. وقدْ أخْبَرَ أبو مُوسى الأشْعَريُّ رَضيَ اللهُ عنه بهذا الحديثِ، ثُمَّ كَرِهَ أنَّه أخبَرَ به، وقال: «ما كُنتُ أصْنَعُ بأنْ أَذكُرَه؟! كأنَّه كَرِهَ أنْ يكونَ شَيءٌ مِن عَملِه أفْشاه»، أي: أظْهَرَه؛ لأنَّ كِتْمانَ العمَلِ أفضَلُ مِن إظْهارِه إلَّا لمَصْلَحةٍ راجِحةٍ تَقْتَضي ذلك، كمَن يكونُ ممَّن يُقْتَدى به، وكانت هذه الغَزْوةُ في السَّنةِ الرَّابِعةِ منَ الهِجْرةِ، وقدْ خرَجَ فيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى نَجدٍ، يُريدُ بَني مُحاربٍ وبَني ثَعْلَبةَ بنِ سَعدِ بنِ غَطَفانَ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ الصَّحابيِّ أبي موسى الأشْعَريِّ.
وفيه: أنَّ مِن سِماتِ المُسلِمِ الحِرصَ على إخْفاءِ العمَلِ خَشْيةَ الرِّياءِ والسُّمْعةِ.
وفيه: إظْهارُ العمَلِ بقَصدِ نَشرِ العِلمِ وحثِّ الغَيرِ على فِعلِ الخَيرِ، لا يَدخُلُ في الرِّياءِ.