حدثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا يونس، عن الزهري، عن أنس، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق له فص حبشي، ونقشه محمد رسول الله "
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَكتُبُ الرَّسائلَ إلى مُلوكِ الأرضِ في زَمانِه يَدْعوهم إلى الدُّخولِ في الإسلامِ؛ عَساهم يَقبَلون الهِدايةَ، فيَهْتدي بهم قَومُهم دونَ حرْبٍ، وكانت لهم تَقاليدُ في المُراسلاتِ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ نَبيَّنا الكريمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرادَ أنْ يُرسِلَ رِسالةً إلى أحدِ مُلوكِ العجَمِ، أو إلى الرُّومِ كما في رِوايةِ البخاريِّ، فقال له أصحابُه: إنَّ الملوكَ لا يَقرَؤُون سِوى الرَّسائلِ المختومةِ فقطْ، مَطبوعًا عليها تَوقيعُ المرسِلِ، والمرادُ به: خَتْمٌ يُنقَشُ عليه اسمٌ، أو رمْزٌ يَتَّخِذُه الإنسانُ لنفْسِه يَختِمُ ويُوقِّعُ بها رَسائلَه وكُتبَه، وإنَّما كانوا لا يَقرؤونَ كِتابًا إلَّا مَختومًا خَوفًا على كشْفِ أسرارِهم، وإذاعةِ تَدبيرِهم، وليَحصُلَ الأمنُ مِن تَوهُّمِ تَغييرِ المَكتوبِ، فاتَّخَذ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتَمًا مِن فِضَّةٍ؛ لأنَّها غيرُ مُحرَّمةٍ على الرِّجالِ، ويُمكِنُ لُبْسُها في اليَدِ، ونقَشَه بالجزءِ الثَّاني مِن الشَّهادةِ: محمَّدٌ رسولُ اللهِ.ثمَّ أخبَرَ أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان يَنظُرُ إلى بَياضِ خاتَمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حالةَ كَونِه مَلبوسًا في يَدِه، وهذا إشارةٌ لشِدَّةِ تَذكُّرِه للحديثِ، وأنَّ صُورةَ الخاتمِ ولُبْسَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاضرةٌ في ذِهنِه.
وفي الحديثِ: ختْمُ كِتابِ السُّلطانِ والقُضاةِ والحُكَّامِ، وهو سُنَّةٌ متَّبعةٌ.
وفيه: دَلالةٌ على مَشروعيَّةِ مُكاتَبةِ الكُفَّارِ بما فيه مِن مَصالحِ الإسلامِ والمسلمينَ.
وفيه: مَشروعيَّةُ نَقْشِ الخاتمِ، ونقْشِ اسمِ صاحبِه عليه.