باب فضل إخفاء الصدقة
بطاقات دعوية
حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
يوم القيامة يوم عصيب كثير الأهوال، تدنو فيه الشمس من رؤوس العباد، ويشتد عليهم حرها، وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لله عبادا سيظلهم في ظله في هذا اليوم الذي لا ظل سوى ظله سبحانه وتعالى
وفي هذا الحديث الجليل يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أصناف من هذه الأمة يتنعمون بظله سبحانه في ذلك اليوم الذي لا يجد أحد ظلا إلا من أظله الله في ظله، والمراد بالظل هنا: ظل العرش، كما في جاء مفسرا في أحاديث أخرى؛ منها: ما أخرجه أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من نفس عن غريمه أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة))، وإذا كان المراد ظل العرش؛ استلزم كونهم في كنف الله تعالى وكرامته وأول هؤلاء السبعة: الإمام العادل، وهو: الحاكم العادل في رعيته، الذي يحافظ على حقوقهم، ويرعى مصالحهم، ويحكم فيهم بشريعة الله عز وجل، فيقيم مصالح الدين والدنيا. والثاني: شاب نشأ مجتهدا في عبادة ربه، ملتزما بطاعته في أمره ونهيه، وخص الشاب بالذكر؛ لأن العبادة في الشباب أشد وأشق وأصعب؛ لكثرة الدواعي للمعصية وغلبة الشهوات؛ فإذا لازم العبادة حينئذ دل ذلك على شدة تقواه وعظيم خشيته من الله. والثالث: الرجل المعلق قلبه في المساجد؛ فهو شديد الحب والتعلق بالمساجد، يتردد عليها ويكثر مكثه فيه، ملازما للجماعة والفرائض ومنتظرا للصلاة بعد الصلاة، كأن قلبه قنديل من قناديل المسجد. والرابع: رجلان أحب كل منهما الآخر في ذات الله تعالى وفي سبيل مرضاته وطاعته لا لغرض دنيوي، واجتمعا على ذلك، واستمرا على محبتهما هذه لأجله سبحانه، وقوله: «اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه» ظاهره: أن حبهما لله صادق في حين اجتماعهما، وافتراقهما. والخامس: رجل طلبته للفاحشة امرأة حسناء ذات حسب ونسب، ومال وجاه، ومركز مرموق، فقال: إني أخاف الله، ويحتمل أنه إنما يقول ذلك بلسانه زجرا لها عن الفاحشة، أو يقول ذلك بقلبه ويصدقه فعله، بأن يمنعه خوف الله عن اقتراف ما يغضبه، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها، وهو بهذا الفعل مع هذه المغريات الكثيرة جمع أكمل المراتب في طاعة الله تعالى والخوف منه، وهذه صفة الصديقين. والسادس: رجل تصدق صدقة التطوع، فبالغ في إخفاء صدقته على الناس، وسترها عن كل شيء حتى عن نفسه، فلا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وإنما ذكر اليمين والشمال للمبالغة في الإخفاء والإسرار بالصدقة، وضرب المثل بهما لقرب اليمين من الشمال ولملازمتهما، ومعنى المثل: لو كان شماله رجلا متيقظا ما علمها؛ لمبالغته في الإخفاء، وهذا هو الأفضل في الصدقة والأبعد من الرياء، وإن كان يشرع الجهر بالصدقة والزكاة إن سلمت عن الرياء وقصد بها حث الغير على الإنفاق وليقتدي به غيره، ولإظهار شعائر الإسلام. والسابع: رجل ذكر الله بلسانه خاليا، أو تذكر بقلبه عظمة الله تعالى ولقاءه، ووقوفه بين يديه، ومحاسبته على أعماله، حال كونه خاليا منفردا عن الناس؛ لأنه حينها يكون أبعد عن الرياء، وقيل: خاليا بقلبه من الالتفات لغير الله حتى ولو كان بين الناس، فسالت دموعه خوفا من الله تعالى.وإنما نال هؤلاء السبعة ذلك النعيم بالإخلاص لله تعالى ومخالفة الهوى؛ فإن الإمام المسلط القادر لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه، والشاب المؤثر لعبادة الله على داعي شبابه لولا مخالفة هواه لم يقدر على ذلك، والرجل الذي قلبه معلق في المساجد إنما حمله على ذلك مخالفة الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات، والمتصدق المخفي صدقته عن شماله لولا قهره لهواه لم يقدر على ذلك، والذي دعته المرأة الجميلة الشريفة فخاف الله عز وجل وخالف هواه، والذي ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه من خشيته إنما أوصلهما إلى ذلك مخالفة الهوى؛ فنجاهم الله من حر الموقف وعرقه وشدته يوم القيامة.وقد ذكر في هذا الحديث سبعة أصناف، ووردت روايات أخرى تزيد أصنافا غير المذكورين هنا، ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أنظر معسرا أو وضع عنه، أظله الله في ظله»، وأيضا: الغازي ومن يعينه، والتاجر الصدوق، ومن يعين المكاتب كما ورد في روايات وأحاديث أخرى؛ فدل هذا على أن العدد المذكور في هذا الحديث لا يفيد الحصر
وفي الحديث: فضل الأصناف السبعة المذكورة، وفضل من سلم من الذنوب، واشتغل بطاعة ربه طول عمره
وفيه: الحث على عمل الطاعات؛ لأنها أسباب لنوال رضا الله سبحانه في الآخرة
وفيه: أن من نعيم الله عز وجل يوم القيامة الإيواء في ظله