باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات 6

بطاقات دعوية

باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات 6

وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، قال : ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله تعالى . فقيل له : هل كان لكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل ؟ قال : ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخلا من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله تعالى ، فقيل له : كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول ؟ قال : كنا نطحنه وننفخه ، فيطير ما طار ، وما بقي ثريناه . رواه البخاري .
قوله : (( النقي )) هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء : وهو الخبز الحوارى ، وهو : الدرمك . قوله : (( ثريناه )) هو بثاء مثلثة ، ثم راء مشددة ، ثم ياء مثناة من تحت ثم نون ، أي : بللناه وعجناه .

كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يمثلون القدوة لمن بعدهم في الزهد، وعدم الانشغال بزينة الدنيا، فلم تكن منتهى آمالهم، بل تركوها خلفهم
وفي هذا الحديث يخبر التابعي أبو حازم سلمة بن دينار أنه سأل الصحابي سهل بن سعد رضي الله عنه: هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي؟ وهو الخبز النقي المنخول دقيقه مرة بعد مرة حتى نقي من قشوره وما خشن منه، فقال سهل: «ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله!» فسأله أبو حازم: هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل؟ جمع منخل، وهو ما ينخل به الدقيق، ويفصل به الناعم منه عن الخشن والقشور، فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه، والتقييد بما بعد البعثة يحتمل أن يكون احترازا عما قبلها؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم سافر إلى الشام، والخبز النقي والمناخل وآلات الترفه بها كثيرة، وأما بعد ظهور النبوة فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة والطائف والمدينة، وقد اشتهر أن سبيل العيش صار مضيقا عليه في هذه المدن، وعلى أكثر الصحابة اضطرارا بسبب المقاطعة في مكة، ثم الحروب والغزوات بعد الهجرة إلى المدينة مع مشركي مكة ويهود المدينة، ولما أحل الله له الغنائم اختار صلى الله عليه وسلم حياة الزهد وجعل ما أفاء الله عليه في سبيل الله
ثم سأله أبو حازم: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه فيصير دقيقا وننفخه، فيطير ما طار من القشور ونحوها، وما بقي «ثريناه»، أي: بللناه بالماء فعجناه، ثم خبزناه فأكلناه، وقيل: المعنى أنه جعلناه مرقا وطبخناه ثم أكلناه
وفي الحديث: بيان معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبيان تركه صلى الله عليه وسلم التكلف في شأن الطعام