باب فضل الذكر2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن آدم، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم
عن أبي هريرة، وأبي سعيد؛ يشهدان به على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه، إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، وتنزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده" (2)
ذِكرُ اللهِ عزَّ وجلَّ مِن أيسَرِ العِباداتِ، ومعَ ذلكَ فهوَ مِن أعظمِها أَجْرًا؛ إذ يدُلُّ على تعلُّق القَلبِ باللهِ.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه «لا يَقعُدُ قومٌ» أي: جماعةٌ مِن النَّاسِ، والمُرادُ بالقُعودِ: حَبسُ النَّفسِ على ذِكرِ اللهِ، وقولُه: «يَذكُرونَ اللهَ عزَّ وجلَّ»، أي: بما ورَدَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، مِن التَّسبيحِ والاستِغفارِ، وقِراءة القِرآنِ ودِراستِه، وغيرِ ذلك، «إلَّا حفَّتْهم الملائكةُ»، أي: أحاطتْ بِهمُ المَلائكَةُ الَّتي تَبحَثُ عن مَجالسِ الذِّكرِ؛ وذلك إكرامًا وتَشريفًا لهم، ورِضًا بحالِهم واستِماعًا لذِكرِهم اللهَ عزَّ وجلَّ، وليَكونوا شُهداءَ عليْهم بيْنَ يَدَيِ اللهِ عزَّ وجلَّ. «وغشيَتْهُم»، أي: عمَّتْهُمُ رحمةٌ مِنَ اللهِ وأحاطَتْ بهم مِن كلِّ جانبٍ، وتَكونُ لهم بمَنزِلةِ الغِطاءِ الشَّامِلِ لكُلِّ ما يَحتاجون إليه مِن رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
«ونزلَتْ علَيهِمُ السَّكينَةُ» وهي شَيءٌ يَقذِفُه اللهُ عزَّ وجلَّ في القَلْبِ، فيُورِثُه الصَّفاءَ والنَّقاءَ، ويُذهِبُ عنه الظُّلْمةَ والسَّوادَ والضِّيقَ، ويكونُ مع ذلك الطُّمأنينَةُ والوَقارُ، فتَطمئنُّ قُلوبُهم بذِكْرِ اللهِ، وتَهْنَأُ به، ومِن ثَمَّ يَكونُ الذَّاكرُ مُطمَئنًّا غَيرَ قَلِقٍ ولا شاكٍّ، راضيًا بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه. وهذه السَّكينةُ نِعمةٌ عَظيمةٌ مِن اللهِ تَعالَى، قالَ عنها: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]، «وذَكَرَهمُ اللهُ فيمَن عِندَهُ»، أي: يُباهِي بِهم مَن عِندَهُ في المَلأِ الأَعلَى مِن المَلائكةِ المُقرَّبين.
وفي الحديثِ: بيانٌ لفَضلِ ذِكرِ اللهِ تَعالَى في جماعةٍ، وبيانُ ما يكونُ لهم مِن اللهِ سبحانَه حالَ ذِكرِهم.