باب أفضل النساء 2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة، حدثنا وكيع، عن عبد الله ابن عمرو بن مرة، عن أبيه، عن سالم بن أبي الجعد
عن ثوبان، قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل، قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك. فأوضع على بعيره، فأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا في أثره، فقال: يا رسول الله، أي المال نتخذ؟ فقال: "ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة" (1).
كان الصَّحابةُ رضوانُ اللهِ عليهم حَريصينَ على أن يَسأَلُوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عمَّا ينفَعُهم في دُنياهم، ويَنالون به الأجرَ والثَّوابَ والدَّرجاتِ العُلْيا في الجنَّةِ، ومن ذلك ما يَحكيه ثَوْبانُ رضِيَ اللهُ عنه في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ: "لَمَّا نزَلَتْ{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}"، أي: لَمَّا نزلتْ هذه الآيةُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، ومعناها: والَّذينَ يَجمَعون الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ولم يُؤدُّوا حقَّها مِن الزَّكاةِ والصَّدقةِ، فبَشِّرْهم بعذابٍ أليمٍ لهم يومَ القِيامةِ، مُوجعٍ مِن اللهِ تعالى؛ قال ثَوْبانُ رضِيَ اللهُ عنه: كنَّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في بعضِ أسفارِه، فقال بعضُ أصحابِه: أُنزِلَ في الذَّهَبِ والفضَّةِ، "لو علِمْنا أيُّ المالِ خيرٌ فنتَّخِذَه"، أي: إنَّهم سأَلوا ما الَّذي يكونُ صحيحًا وحسَنًا أن يُدَّخَرَ؛ لِيَكونَ عَوْنًا وعُدَّةً عند الحَوائجِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أفضَلُه"، أي: أفضَلُ شيءٍ وأنفعُه "لسانٌ ذاكِرٌ"، يَذكُرُ اللهَ ويَحمَدُه ويَستغفِرُه ويُثني عليه، "وقَلْب شاكرٌ"، أي: قلبٌ يَكونُ يشكُرُ اللهَ على نِعَمِه وفضلِه وإحسانِه، "وزوجةٌ مؤمنةٌ تُعينُه على إيمانِه"، أي: تكونُ له عَوْنًا على طاعةِ اللهِ تعالى ودِينِه، وتُذكِّرُه به، ومن ذلك أنْ تُذَكِّرَه الصَّلاةَ والصَّوْمَ وغَيْرَهُما منَ العِباداتِ، وَتَمْنَعَه مِنَ الزِّنَا وسائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ. وخصت هذه الأشياء المذكورة في الإجابة؛ لأنَّه لا شَيءَ للرَّجُلِ أنْفَعُ منها، ولأنَّها تمشارِكُ المالَ في ميل قلْبِ المؤمنِ إليها، وهي أيضًا أمورٌ مطلوبةٌ عِندَه، ونَفْعُها باقٍ ونفْعُ سائرِ الأموالِ زائِلٌ، وهذا الجوابُ مِن أسلوبِ الحكيمِ؛ نبَّه به على أنَّ المؤمنَ ينبغي أنْ يتعلَّقَ همُّه بالآخِرَةِ فيسألَ عمَّا يَنفُعُه، وأنَّ أموالَ الدُّنيا كلُّها لا تَخلو عن شَرٍّ.