باب فضل العشاء والصبح في جماعة
بطاقات دعوية
عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال دخل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه فقال يا ابن أخي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله. (م 2/ 125
ضاعَفَ اللهُ عزَّ وجلَّ ثَوابَ صَلاةِ الجَماعةِ حتَّى فاقَتِ صَلاةَ الَفردِ بسَبعٍ وعِشرينَ درَجةً، وتَزدادُ فَضيلتُها إذا كانت في اللَّيلِ؛ لقُربِها مِنَ الإخْلاصِ للهِ تعالَى، فهي مِن أعظَمِ القُرباتِ إلى اللهِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ عبدُ الرَّحْمنِ بنُ أَبي عَمْرةَ أنَّ عُثمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه دخَلَ المسجدَ بعْدَ صَلاةِ المَغرِبِ، فقعَدَ وحْدَه يَنتظِرُ دخولَ وقتِ صَلاةِ العِشاءِ، فيُصلِّيها في جماعةٍ، قال عبْدُ الرَّحمنِ: «فقعَدْتُ إليه»، وكأنَّه قعَدَ لِيتعلَّمَ منه ويَسألَه عن سَبَبِ جُلوسِه وانتِظارِه، فقال له عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه: «يا ابنَ أخي» أرادَ أُخوَّةَ الإسْلامِ، لا أُخوَّةَ النَّسبِ، «سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن صلَّى العِشاءَ في جَماعةٍ فكأنَّما قامَ نِصْفَ اللَّيلِ»، أي: أجْرُه كأجْرِ مَنِ اشتَغَلَ بالعِبادةِ مِن أوَّلِ اللَّيلِ إلى نِصفِه وأحْياهُ بالصَّلاةِ والذِّكرِ، «ومَن صلَّى الصُّبحَ في جَماعةٍ فكأنَّما صلَّى اللَّيلَ كلَّهُ» فأجْرُه كأجْرِ مَنِ اشتَغَلَ بالعِبادةِ اللَّيلَ كُلَّه، وأحْياهُ بالصَّلاةِ والذِّكرِ، فأجْرُ صَلاةِ الفَجرِ في جماعةٍ ضِعفُ صَلاةِ العِشاءِ في جماعةٍ، وهذا يدُلُّ على أنَّ قِيامَ الصُّبحِ أفضَلُ مِن قِيامِ العِشاءِ؛ لأنَّ الفَجرَ أشقُّ وأصعَبُ على النَّفْسِ، وأشدُّ على الشَّيطانِ؛ فالَّذي دخَلَ في النَّومِ ثمَّ قامَ أصعَبُ ممَّن أرادَ الدُّخولَ في النَّومِ. أوِ المَعنى: أنَّ كُلًّا منهما يقومُ مَقامَ نِصفِ ليلةٍ، وإنَّ اجْتماعَهما يقومُ مَقامَ ليلةٍ، فمَن صلَّى العِشاءَ والفَجرَ في جماعةٍ كأنَّما صَلَّى اللَّيلَ، كما في رِوايةِ أبي داودَ والتِّرمذيِّ: «مَنْ شَهِدَ العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ». وعلى كُلٍّ؛ ففي هذا حضٌّ وتَرغيبٌ في المُحافَظةِ على صَلاتَيِ الصُّبحِ والعِشاءِ في جماعةٍ. ولعلَّ تَخصيصَهما بهذا الفَضلِ للمَشقَّةِ الموْجودةِ في حُضورِ المساجِدِ فيهما؛ منَ الظُّلمةِ، وكونِ وَقتِهما وقتَ راحةٍ، أو غَلَبةِ نومٍ، أو خَلْوةٍ بأهاليهم.
وفي الحَديثِ: بَيانُ اختِصاصِ بَعضِ الصَّلواتِ بفَضلٍ لا يُشاركُها فيهِ غيرُها.