باب فضل مجالس الذكر لله عز وجل والدعاء والاستغفار
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يبتغون (1) مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك قال وماذا يسألوني قالوا يسألونك جنتك قال وهل رأوا جنتي قالوا لا أي رب قال فكيف لو رأوا جنتي قالوا ويستجيرونك قال ومما (2) يستجيرونني قالوا من نارك يا رب قال وهل رأوا ناري قالوا لا قال فكيف لو رأوا ناري قالوا ويستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم وأعطيتهم (3) ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا قال فيقولون (4) يا رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم قال فيقول وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. (م 8/ 68)
إنَّ مِن فَضلِ مَجالِسِ الذِّكرِ والذَّاكِرين وفَضْلِ الاجتِماعِ على ذلك أن يَغفِرَ اللهُ لهم، وهذا الغفرانُ يَعُمُّ مَن حضَرهم حتَّى وإنْ لم يَكُنْ قاصِدًا الذِّكرَ
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ للهِ مَلائكةً سيَّاحينَ في الأرضِ"، أي: يَطوفون فيها ويَمْشون بطُرقِها، "فضلًا عن كُتَّابِ النَّاسِ"، أي: غيرُ الملائكةِ الحفَظةِ الَّتي تَكونُ مُلازِمةً للإنسانِ تَكتُبُ عليه حرَكاتِه وأفعالَه، والمرادُ بهم الكِرامُ الكاتِبون، "فإذا وجَدوا أقوامًا"، أي: جماعةً مِن النَّاسِ، "يَذكُرون اللهَ"، أي: اجتَمَعوا على ذِكْرِ اللهِ، والمرادُ بالذِّكرِ: التَّسبيحُ والتَّكبيرُ وما شابهَ مِن أدعيةِ الثَّناءِ على اللهِ تعالى بكلِّ ما هو أهلُه، قيل: ويَدخُلُ فيه: الصَّلاةُ وقِراءةُ القُرآنِ وتلاوةُ الحديثِ، وتدريسُ العُلومِ؛ تعلُّمُ العِلمِ النافِعِ وتَعليمُه، ومناظرةُ العلماءِ ونحوُها، "تَنادَوْا"، أي: نادَتِ الملائكةُ بعضُها بعضًا: "هَلُمُّوا إلى بُغيَتِكم"، أي: تَعالَوْا مُسرِعين إلى طلَبِكم وإلى حاجتِكم وما تَبحثُونَ عنه من استِماعِ الذِّكرِ وزِيادةِ الذاكرِ وإطاعةِ المذكورِ، وهو البحثُ عن مَجالِسِ الذِّكرِ، "فيَجيؤُون فيحُفُّون بهم إلى السَّماءِ الدُّنيا"، أي: يُديرون بأجنِحَتِهم عليهم لِيَملَؤوا بهم ما بينَ الأرضِ والسَّماءِ الأُولى، فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "أيَّ شيءٍ ترَكتُم عِبادي يَصنَعون؟"، أي: يَسأَلُ اللهُ عزَّ وجلَّ عن عِبادِه الَّذين يَذكُرونه- وهو أعلَمُ بهم- فتَقولُ الملائكةُ: "ترَكْناهُم يَحمَدونك، ويُمجِّدونك"، أي: يَذكُرونك بالعظَمةِ أو يَنسُبونك إلى المجدِ، "ويَذكُرونك" فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "هل رَأَوْني"، أي: هل هذا الذِّكرُ لِرُؤيتِهم لي؟- وهو أعلَمُ بهم، فتَقولُ الملائكةُ: "لا"، أي: لم يرَوْك، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "كيف لو رأَوني؟"، أي: كيف يَكونُ ذِكرُهم لي إذا رأَوني، والَّذي يَفعَلونه على غَيرِ رُؤيةٍ لي؟ فتَقولُ الملائكةُ:
"لو رأَوْك لكانوا أشَدَّ تَحميدًا، وأشَدَّ تَمجيدًا، وأشَدَّ لك ذِكرًا"، أي: يَزيدُ ذِكرُهم للهِ تعالى بقَدْرِ ما اطَّلَعوا عليه مِن المعرفةِ والمَحبَّةِ
فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "وأيَّ شيءٍ يَطلُبون؟"، أي: ما الَّذي يَطلُبون مِن أجرٍ على هذا الذِّكرِ؟ وهو أعلَمُ بهم، فتقول الملائكةُ: "يَطلُبون الجَنَّةَ"، أي: طمَعًا في دُخولِ الجنَّةِ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "فهل رأَوها؟"، أي: هل رأَوُا الجنَّةَ وما فيها فهُم يَطلُبونها ويَسأَلونها لذلك؟ فتقولُ الملائكةُ: "لا"، أي: لَم يرَوْها، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "فكيف لو رأَوْها؟"، أي: كيف سيَكونُ طلَبُهم وحِرصُهم عليها؟ فتَقولُ الملائكةُ: "لو رأَوْها لكانوا أشَدَّ لها طلَبًا، وأشَدَّ عليها حِرصًا"، أي: ستَعظُمُ عِندَهم الرَّغبةُ في دُخولِها؛ لأنَّ الخبَرَ ليس كالمُعايَنةِ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "فمِن أيِّ شيءٍ يتَعوَّذون؟"، أي: مِمَّ يَخافون ويَستَجيرون بي مِنه؟ فتقولُ الملائكةُ: "يَتعوَّذون مِن النَّارِ"، أي: يَلجَؤونَ إليك ويَستَجيرون بك مِن دُخولِ النَّارِ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "فهل رأَوْها؟"، أي: هل سبَبُ خَوفِهم مِن النَّارِ رُؤيتُهم لها؟ فتقولُ الملائكةُ: "لا"، أي: لم يرَوُا النَّارَ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "فكيف لو رأَوْها؟"، فكيف سيَكونُ تَعوُّذُهم مِنها إذا رأَوها؟ فتقولُ الملائكةُ: "لو رأَوْها لكانوا أشَدَّ مِنها هرَبًا، وأشَدَّ مِنها خوفًا، وأشدَّ منها تَعوُّذًا"؛ وذلك بإكثارِ ذِكْرِهم ودُعائِهم، فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "فإنِّي أُشهِدُكم أنِّي قد غفَرتُ لهم"، أي: ذُنوبَهم، فتَقولُ الملائكةُ: "إنَّ فيهم فُلانًا الخطَّاءَ"، أي: كثيرَ الارتكابِ للخَطايا والذُّنوبِ! "لم يُرِدْهم"، أي: لم يَقصِدِ الذِّكرَ معَهم والتَّوبةَ مِن ذُنوبِه، "إنَّما جاءَهم لِحاجَةٍ"، أي: قاصِدًا لشيءٍ دُنيَويٍّ، وهذا إشارةٌ مِنهم إلى أنَّه لا يَستحِقُّ المغفِرةَ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "هُم القومُ"، أي: الذَّاكِرون للهِ، "لا يَشْقى لهم جَليسٌ"، أي: يَنْفي عنه الشَّقاءَ حتَّى وإن لم يَتَعمَّدْ مُجالَستَهم والذِّكرَ معَهم؛ وذلك لِمُخالَطتِه أهْلَ الذِّكرِ وإن لم يَكُنْ قاصِدًا
وفي الحديثِ: الترغيبُ في حُضورِ مَجالِسِ الذِّكرِ
وفيه: نفيُ الشقاءِ على مَن يَذكُرُ اللهَ أو على مَن يُجالِسُ الذَّاكرينَ
وفيه: بيانُ مَحبَّةِ الملائكةِ للمُطيعين من بني آدَمَ، واعتنائِهم بهم
وفيه: أنَّ الذي اشتملتْ عليه الجنةُ مِن أنواعِ الخيراتِ، وما اشتملتْ عليه النارُ مِن أنواعِ المكروهاتِ أعظمُ مِمَّا وُصِفتَا به
وفيه: أنَّ الرغبةَ والطلبَ مِن اللهِ تعالى والمبالغةَ في ذلك من أسبابِ الحُصولِ على المرادِ