باب فضل من أسلم على يديه رجل
بطاقات دعوية
عن سهل رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر:
"لأعطين [هذه 5/ 76] الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فبات الناس [يدوكون] ليلتهم؛ أيهم يعطى؟ فـ[لما أصبح الناس] غدوا [على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] كلهم يرجوه (وفي رواية: يرجو أن يعطى 4/ 5)، فقال: "أين علي [بن أبي طالب]؟ ". فقيل: يشتكي عينيه ، [قال: "فأرسلوا إليه"، فأتي به]، فبصق في عينيه، ودعا له، فبرأ [مكانه حتى] كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال [علي: يا رسول الله!] أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال [عليه الصلاة والسلام]:
"انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم [من حق الله فيه]، فوالله؛ لأن يهدي الله بك رجلا [واحدا] خير لك من أن تكون لك حمر النعم"، [ففتح عليه] (*)
خَيْبَرُ قَرْيةٌ كانت يَسكُنُها اليَهودُ، وكانت ذاتَ حُصونٍ ومَزارِعَ، وتَبعُدُ نحْوَ 173 كيلو تَقْريبًا منَ المَدينةِ إلى جِهةِ الشَّامِ، وقدْ غَزاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلِمون، وفتَحَها اللهُ لهم في السَّنةِ السَّابعةِ منَ الهِجْرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سَهلُ بنُ سَعدٍ السَّاعِديُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرَهم يَومَ خَيْبرَ أنَّه سيُعْطي الرَّايةَ غدًا لرَجلٍ مِن أصْحابِه رَضيَ اللهُ عنهم ممَّن خرَج معَه للغَزوِ -والرَّايةُ: العَلَمُ الَّذي يَتَّخذُه الجَيشُ شِعارًا له، ولا يُمسِكُها إلَّا قائدُ الجَيشِ- يكونُ سَببًا أنْ يَفتَحَ اللهُ خَيْبرَ على يدَيْه، ومِن صِفاتِه أنَّه يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورَسولُه، فباتَ النَّاسُ جَميعًا يَدوكونَ ليلَتَهم: أيُّهم يُعْطاها؟ أي: يَتحدَّثون بيْنَهم ويَتَسألون عمَّن سيُعْطيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّايةَ؛ وذلك لتَزْكيةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له بأنَّه يُحِبُّ اللهَ ورَسولَه، وأنَّ اللهَ سيُجْري هذا الفَتحَ على يدَيْه.
فلمَّا كان الصُّبحُ ذَهَبوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كلُّ واحدٍ منهم يَرْجو أنْ يكونَ هوَ المُرادَ بكَلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والفائزَ بهذا الشَّرفِ، فسَألَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقيلَ له: إنَّه مَريضٌ يَشْتَكي عَينَيْه، فأرسَلَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاؤوا بهِ، فبصَقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَينَيْه، يَعني: بَلَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَينَيْ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ مِن ريقِه الشَّريفِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ودَعا له، فشُفيَ مِن مَرضِه وكأنَّه لم يكُنْ به وَجعٌ، فأعْطاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّايةَ، فقال عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه: «يا رَسولَ اللهِ، أُقاتِلُهم حتَّى يَكونوا مِثلَنا؟» أي: مُسلِمينَ، فوجَّهَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنِ قال: «انفُذْ على رِسْلِكَ»، أي: امْضِ بغَيرِ تَعَجُّلٍ، «حتَّى تَنزِلَ بساحَتِهم»، السَّاحةُ: المكانُ المتَّسعُ بيْن البيوتِ ونحْوِه، ثمَّ ابْدأْ بدَعوَتِهم إلى الإسْلامِ، «وأخْبِرْهم بما يجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللهِ فيه، فواللهِ لأنْ يَهْديَ اللهُ بكَ رَجلًا واحِدًا» إلى الإسلامِ، خَيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ، وهي نَوعٌ مِنَ الإبلِ المَحْمودةِ، وكانت مِمَّا تَتفاخَرُ العَربُ به، والمَعنى: أنْ تكونَ سَببًا في هِدايةِ رَجلٍ واحدٍ خَيرٌ لكَ مِن أنْ تكونَ حُمْرُ النَّعَمِ لكَ، فتتَصَدَّقَ بها، وقيلَ: تَقْتَنيها، وتَملِكُها.
وفي الحَديثِ: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: مَنقَبةٌ عَظيمةٌ لعَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: اتِّخاذُ العَلَمِ، والرَّايةِ، واللِّواءِ في الحَربِ.
وفيه: فَضلُ السَّعيِ في هِدايةِ النَّاسِ، وأنَّ مِن أسْبابِ ذلك الجِهادَ والغَزوَ في سَبيلِ اللهِ.