باب فى التكبير على كل شرف فى المسير
حدثنى القعنبى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول « لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ».
ذكر الله سبحانه وتعالى مما يؤنس الروح والقلب، ويرزق النفس الطمأنينة، ويثقل موازين العبد بالحسنات، وينجي الله تعالى به صاحبه من الهم والغم، فيكشف ضره، ويذهب غمه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم الذكر لربه في جميع الأحوال والأوقات
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من السفر، سواء كان من جهاد، أو حج، أو عمرة، وهذا يشمل كل سفر طاعة؛ قال: «الله أكبر» ثلاث مرات، ثم قال: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له»، فلا معبود بحق ولا يستحق العبادة سواه سبحانه، «له الملك»، أي: له السلطان التام الذي لا ينازعه فيه منازع، «وله الحمد»، فهو المستحق له دون من سواه سبحانه، «وهو على كل شيء قدير» لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، «آيبون»، أي: راجعون من سفرنا سالمين، «تائبون» من المعصية إلى الطاعة، «عابدون، ساجدون»؛ فهو صلى الله عليه وسلم في كل حاله يتذكر العبادة، وأنه عبد لله سبحانه وتعالى، «لربنا حامدون»، أي: مثنون عليه تعالى بصفات كماله وجلاله، وشاكرون له على نعمه وأفضاله، والمعنى: أننا عدنا إلى بلدنا الحبيب، وقد عقدنا العزم على العودة إلى الله والتوبة الصادقة المقترنة بالأعمال الصالحة؛ من الشكر لله، والمواظبة على عبادته، والتقرب إليه بالصلاة، وكثرة السجود
وقوله صلى الله عليه وسلم: «صدق الله وعده»، أي: صدق وعده في إظهار الدين، وكون العاقبة للمتقين، وغير ذلك من وعده سبحانه، «ونصر عبده» محمدا صلى الله عليه وسلم، «وهزم الأحزاب وحده»، أي: هزمهم بغير قتال من الآدميين، ولا سبب من جهتهم، والمراد بالأحزاب: الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق في العام الخامس من الهجرة
وفي الحديث: استعمال حمد الله تعالى، والإقرار بنعمته، والخضوع له، والثناء عليه عند القدوم من السفر، والرجوع إلى الوطن سالمين
وفيه: إحداث الحمد لله، والشكر له على ما يحدث على عباده من نعمه؛ فقد رضي من عباده بالإقرار له بالوحدانية، والخضوع له بالربوبية، والحمد والشكر عوضا عما وهبهم من نعمه تفضلا عليهم، ورحمة بهم