باب الرجل يخرج من ماله
حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إن خير الصدقة ما ترك غنى أو تصدق به عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول ».
جاءت شرائع الإسلام كلها وسطا بين الإفراط والتفريط، فالاعتدال خير كله
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصدقة ما ترك غنى، يعني: ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية، وقدر ما يغنيه هو ومن يعوله بحيث لا يصير المتصدق محتاجا بعد صدقته إلى أحد، ولفضل الصدقة كانت اليد العليا -أي: المتصدقة المعطية- خيرا من اليد السفلى، أي: الآخذة للصدقة، وهذه دعوة لأن ينفق القادر، ويتعفف الفقير
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم المتصدق أن يبدأ بصدقته على من يعوله، أي: بمن يجب على الإنسان رعايتهم والإنفاق عليهم؛ من النفس والأهل والولد ونحوهم. وإنما أمرهم أن يبدؤوا بأهليهم؛ خشية أن يظنوا أن النفقة على الأهل لا أجر لهم فيها، فعرفهم النبي صلى الله عليه وسلم أنها لهم صدقة؛ حتى لا يخرجوها إلى غيرهم إلا بعد أن يضمنوا كفاية من يعولونهم، وهذا كله من التربية النبوية على العفاف والرضا، وترتيب الأولويات في النفقة؛ حتى يكفي المرء أهله ومن تلزمه نفقته، ثم يتصدق عن ظهر غنى.
ثم بين أبو هريرة رضي الله عنه المقصود بمن يعول؛ فقال: تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني إلى أن تدعني، يعني: أن كل واحد من هؤلاء ممن يعوله الرجل يجب عليه أن يوفر احتياجاته من النفقة، وقد ظن السامعون أن هذا التفسير من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوا أبا هريرة رضي الله عنه فقال لهم: «هذا من كيس أبي هريرة»، يعني من عند نفسه
وفي الحديث: تقديم المرء نفقة نفسه وعياله؛ لأنها منحصرة فيه، بخلاف نفقة غيرهم
وفيه: أن الإنسان لا يتصدق بكل ما عنده
وفيه: الحض على معالي الأمور، وترك دنيئها
وفيه: الابتداء بالأهم فالأهم في الأمور الشرعية
وفيه: أن النفقة على الأهل ومن يعولهم الإنسان تحسب صدقة إذا احتسبها الإنسان