باب الرجل يخرج من ماله

باب الرجل يخرج من ماله

حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد سمع أبا سعيد الخدرى يقول دخل رجل المسجد فأمر النبى -صلى الله عليه وسلم- الناس أن يطرحوا ثيابا فطرحوا فأمر له منها بثوبين ثم حث على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به وقال « خذ ثوبك ».

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بأحوال المسلمين، فيتفقد أحوالهم، وكان بهم رؤوفا رحيما، فكان لا يرى أحدا من أصحابه ظهر عليه فقر أو حاجة إلا حرص على مساعدته في إزالة فقره ما استطاع
وفي هذا الحديث يحكي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه "جاء رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب"، أي: قدم رجل إلى صلاة الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة، وكان الرجل "بهيئة بذة"، أي: كانت حالة الرجل وثيابه رثة سيئة، ويظهر عليه أثر الحاجة والفقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصليت؟"، أي: أصليت ركعتين تحية دخولك المسجد، ويحتمل المقصود بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الرجل صلى في ناحية من المسجد قبل أن يراه النبي صلى الله عليه وسلم، قال الرجل: لا، لم أصل، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: قم فصل ركعتين؛ فدل على أن على من دخل المسجد والخطيب يخطب الجمعة أن يصلي ركعتين خفيفتين، ويتجوز فيهما، ثم يستمع للخطبة. قيل: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يصلي ركعتين في هذا الحديث كان حالة مخصوصة له، حتى يقوم فيشاهده الناس فيتصدق عليه، وقيل: بل ذلك عام في كل من دخل المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة أن يركع ركعتين خفيفتين كما في الأحاديث الأخرى التي تأمر بذلك، ويحتمل في هذه القصة الأمران
قال: "وحث الناس على الصدقة"، أي: رغب النبي صلى الله عليه وسلم الناس في أن يتصدقوا؛ لكي يعطي النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، "فألقوا ثيابا، فأعطاه منها ثوبين"، أي: لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الصدقة، تصدقوا بإلقاء الثياب، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم للرجل منها ثوبين، "فلما كانت الجمعة الثانية جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب"، أي: فلما جاءت الجمعة الثانية قدم هذا الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس خطبة الجمعة، "فحث الناس على الصدقة"، أي: رغب النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته على التصدق والإنفاق، قال: "فألقى أحد ثوبيه"، أي: طرح الرجل ثوبا من الثوبين اللذين أخذهما في الجمعة السابقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاء هذا يوم الجمعة بهيئة بذة"، أي: قدم هذا الرجل في الجمعة الماضية بحالة سيئة، "فأمرت الناس بالصدقة"، أي: فرغبت الناس، وأمرتهم أن يتصدقوا، "فألقوا ثيابا"، أي: فتصدقوا بالثياب، "فأمرت له منها بثوبين"، أي: أمرت أن يعطى منها ثوبين، "ثم جاء الآن"، أي: ثم حضر في هذه الجمعة، فأمرت الناس بالصدقة، "فألقى أحدهما"، أي: فطرح الرجل ثوبا من الثوبين اللذين تصدق عليه بهما في الجمعة الفائتة، "فانتهره"، أي: منعه النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتصدق؛ لأنه محتاج إلى الصدقة، "وقال: خذ ثوبك"؛ فإنك أحق بثوبك من غيرك؛ لكونك أشد احتياجا له من غيرك
وفي الحديث: سرعة استجابة الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما حثهم على الصدقة
وفيه: بيان الحال والمعنى الوجيه عند استثناء بعض الناس من أمر ما؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع من قال: خذ ثوبك