باب فى الخلوق للرجال
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء الخراسانى عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر قال قدمت على أهلى ليلا وقد تشققت يداى فخلقونى بزعفران فغدوت على النبى -صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه فلم يرد على ولم يرحب بى فقال « اذهب فاغسل هذا عنك ». فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقى على منه ردع فسلمت فلم يرد على ولم يرحب بى وقال « اذهب فاغسل هذا عنك ». فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد على ورحب بى وقال « إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب ». قال ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ.
حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من كل الآثام والشرور التي تبعد الناس عن رحمة الله عز وجل
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة"، المراد بالملائكة هنا الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة؛ فإنهم لا يفارقون العبد على كل حال من الأحوال، فالملائكة أصناف؛ فمنها: الحفظة، ومنها: الكتبة، ومنها: ما ينزل بأمر الله، وبما شاء من الرحمة والعذاب وغير ذلك، وأول هؤلاء الثلاثة: "الجنب"، وهو من جامع النساء أو نزل منه مني باحتلام أو غيره، وهذا تحذير واقع في حق كل من أخر الغسل لغير عذر تهاونا وكسلا، ويتخذ ذلك عادة، ويحتمل: أنه فيمن اجتنب (أي صار جنبا) من محرم، أما من حلال فلا تجتنبه الملائكة، ولا البيت الذي هو فيه؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا بغير حلم، ويصوم ذلك اليوم، وكان يطوف على نسائه بغسل واحد، ويحتمل: أنه فيمن اجتنب باحتلام، وترك الغسل مع وجود الماء فبات جنبا؛ لأن الحلم من الشيطان، فمن تلعب به في يقظة أو منام؛ تجنبه الملك الذي هو عدو الشيطان
والثاني: "والسكران"، وهو من شرب الخمر حتى ذهب عقله؛ لأنه إذا سكر كان عرضة لأن يرتكب كل الموبقات والآثام، مع ما في الخمر من نجاسة، ولأنه لا يرتكب ذنبه هذا وهو متلبس بكامل الإيمان، بل إنه ينزع منه حين شربه للخمر، ثم يعود إليه بعدها، ومدمن الخمر كعابد الوثن، كما روى ابن ماجه، وقد جمع الله في التحريم بين شرب الخمر وعابد الوثن في قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90]، وكل هذا يمنع الملائكة من الاقتراب منه
"والمتضمخ بالخلوق"، والخلوق: طيب له صبغ يتخذ من الزعفران وغيره، وهو مما يخص النساء، والتضمخ: هو التلطخ بهذا الطيب والإكثار منه؛ وذلك لما فيه من تشبه بالنساء، وذلك يشعر بخسة النفس وسقوطها، مع ما فيه من الوقوع في معصية تغضب الله سبحانه وتعالى
وفي الحديث: إثبات أن الملائكة تنزل وتقترب من الناس بأمر الله
وفيه: التحذير من التشبه بالنساء بالتزين بما له لون؛ كالصفرة