باب القاضى يقضى وهو غضبان
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير حدثنا عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبيه أنه كتب إلى ابنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لا يقضى الحكم بين اثنين وهو غضبان ».
القضاء بين الناس أمره خطير؛ لأن فيه حقوقا للناس ينبغي معرفتها، والمحافظة عليها، وإثباتها لأهلها، والقاضي ينبغي أن يكون في وقت القضاء خاليا مما يؤثر في أحكامه، وخاصة ما يتعلق بشخصه ونفسه، فلا يحكم بالهوى ولا يحكم في حالات الغضب والضيق وعدم القدرة على التحكم في النفس، وهذا الحديث يوضح أدبا من آداب القضاء، وفيه أن الصحابي الجليل أبا بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أرسل رسالة إلى ابنه عبيد الله يوصيه فيها، وكان قاضيا على سجستان، وهي مدينة تقع شرق إيران حاليا، ويقع قسم منها في جنوب أفغانستان، وكانت تحت الحكم الإسلامي بعد ما أخذت من الفرس، وتسمى الآن سيستان، فأوصاه في كتابه: ألا يقيم حكمه وقضاءه بين الناس وهو في حال الغضب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان»، والحكم هو القاضي أو من يتولى أمور الناس ويتحكم فيها بالولاية أو القضاء أو نحو ذلك، وهذا النهي سببه أن القاضي يفترض فيه العدل والإنصاف والتجرد، وهذا يتطلب صفاء الذهن وشحذ الهمة للتفكير فيما يعرض عليه من الدعاوى والأقضية، والغضب من الشيطان، وفيه يغلب الهوى والتعصب والانفعال على العقل، وهذا ما يبعد عن العدل، وربما أوقع في الظلم أو عدم الإنصاف؛ فينبغي للقاضي في هذه الحال أن يتنحى عن النظر في القضية، ويرجئها إلى وقت طيب حاله وهدوئه، ومثل ذلك كل الحالات التي تخرج الحكم أو القاضي عن طور الاعتدال؛ كالجوع والعطش والنوم والمرض، وغير ذلك
وفي الحديث: الحث على تحري العدل بين المختصمين، وبلوغ الإنصاف بينهم