باب الحكم بين أهل الذمة
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلى حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) الآية قال كان بنو النضير إذا قتلوا من بنى قريظة أدوا نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بنى النضير أدوا إليهم الدية كاملة فسوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم.
لما جاء الإسلام أرسى مبادئ العدل، ومحا أحكام الجاهلية القائمة على الظلم والغبن
وفي هذا الحديث يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الآية التي في المائدة -قول الله تعالى: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42]- إنما نزلت في الدية بين بني قريظة وبني النضير"، وهما قبيلتان كانتا في المدينة؛ وذلك أن بني النضير كان لهم شرف"، أي: كان بينهم تفاوت في الشرف والمكانة العالية، وكانت قبيلة بني النضير تفوق بني قريظة في ذلك، فكانوا "يدون دية كاملة"، أي: يأخذون دية قتلاهم كاملة إذا قتله واحد من بني قريظة، "وإن بني قريظة يدون نصف الدية"، أي: يأخذون نصف دية قتلاهم إذا قتله واحد من بني النضير، "فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ذلك فيهم"، أي: نزل فيهم القرآن بأن حكم القتلى بينهم سواء، فأنزلت هذه الآية: {وإن حكمت}، أي: إذا قضيت بينهم {فاحكم بينهم}، أي: فليكن حكمك وقضاؤك {بالقسط}، أي: بالعدل، قال ابن عباس مفسرا كلمة "القسط: النفس بالنفس"، أي: إن العدل هو أن تقتل النفس بالنفس، "ثم نزلت"، أي: هذه الآية {أفحكم الجاهلية يبغون} [المائدة: 50]، أي: أيرغبون أن يكونوا على ما هم عليه من أحكام الجاهلية -من أن الشريف إذا قتل لا يقتل، والذي ليس له من الشرف شيء إذا قتل يقتص منه؟!- "فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك"، أي: أجبرهم على اتباع حكم الحق، "فجعل الدية سواء"، أي: يدفع كل طرف منهم للآخر الدية كاملة عند وقوع القتل بينهم
وفي هذا الحديث: بيان ما كان عليه اليهود من ظلم وافتراء
وفيه: أن الإسلام يحكم بالعدل بين الناس في الديات وغيرها